منذ أن بدأ مؤتمر "بوب تيك" أنشطته والذي تستضيفه ولاية "ماين" الأميركية مرة كل سنة ويجمع كوكبة من المفكرين والمخترعين، والأسئلة الكبرى ما فتئت تتصدر عناوينه الرئيسية من قبيل: "ماذا يعني أن يكون المرء إنساناً في بداية القرن الحادي والعشرين؟". هذا على الأقل ما يؤكده المشرف على تنظيم المؤتمر "أندرو زوليك". لكن مع توالي دورات المؤتمر، لتصل إلى الدورة الحادية عشرة هذه السنة، لم يعد المؤتمرون يكتفون بطرح الأسئلة الكبيرة، بل يسعون اليوم إلى اقتراح الإجابات وتحفيز المبادرات في شتى المجالات. وهكذا تم الإعلان عن "بوب تيك أكسلرايتور" باعتبارها مبادرة رائدة تهدف إلى جمع المخترعين وأصحاب الأفكار الجديدة للخروج بحلول للتحديات الكبرى التي يواجهها عالمنا المعاصر. وأول مشروع تعكف عليه المجموعة هو ما يطلق عليه "ماسيلوليكي"، وتعني بلغة الزولو "تجديد الذات". ويهتم ذلك المشروع بتثقيف الناس في جنوب أفريقيا حول فيروس الإيدز ومساعدتهم على تلقي العلاج من خلال كمبيوتر تفاعلي طوره الباحثون بجامعة "كونيكتكات" الأميركية. ويبدو أن اجتماع "بوب تيك" الذي كان يكتفي في السابق بالحديث عن قضايا البيئة وتوعية الناس إزاء أخطارها، بدأ اليوم يخطو خطوات ملموسة لاقتراح الحلول. وفي هذا الإطار قام المؤتمر في محاولة لتعويض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تسبب فيه عبر استهلاك الطاقة والرحلات التي قطعها المئات من المشاركين، بشراء بوليصة لتعويض الكربون المستهلك تفوق بمرتين الحجم الحقيقي للاستهلاك. ويمكن للجميع، سواء من المشاركين أو غيرهم، الانخراط في برنامج "بدائل الكربون" الذي يتيح فرصة قياس كمية الكربون المستهلك من خلال آلة قياس وتعويض ذلك بشراء بوليصات. وباستطاعة المنخرطين في البرنامج أيضاً المساهمة في تمويل أحد البرامج الثلاثة: برنامج السقي بالاعتماد على الطاقة الشمسية في دولة بنين بأفريقيا، وإعادة تشجير نيكاراجوا، أو مشروع لتوليد الطاقة الحيوية في البرازيل. ويؤكد "زوليك" المشرف على المؤتمر أنه تم اختيار المشاريع بحذر شديد، كما حرص على أن يلقي كل مسؤول عن تلك المشاريع كلمة أمام الحضور لإضفاء طابع إنساني عليها وإخراجها من طبيعتها التقنية البحتة. ولاحظ "دنيال جيلبرت"، أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد، أنه رغم الطبيعة المستعجلة لمشكلة الاحتباس الحراري والقضايا البيئية الأخرى التي تحذر منها الدراسات العلمية، إلا أن استجابة الناس لم ترقَ إلى المستوى المطلوب لمواجهة التحديات. ويرجع السبب، في رأي البروفيسور "جيلبرت"، إلى أن البشر عادة ما يستجيبون أكثر لأربعة أنواع من الأخطار تؤثر فيهم وتدفعهم إلى التحرك. أولا هناك الأخطار التي لها وجه سافر كتلك التي يمثلها شخص بعينه (هتلر أو غيره) وتكون أكثر وقعاً على الناس من الحوادث الأخرى المرتبطة بالمناخ، وهو ما يفسر الاهتمام بخطر الجمرة الخبيثة قبل بضع سنوات للاعتقاد بأن وراءها شخص ما، في حين أن الأمراض الأخرى، مثل الإنفلونزا أو الملاريا، لا تحظى بنفس الاهتمام لأنها لا تملك وجهاً "إنسانياً". والنوع الثاني من الأخطار هي تلك التي تحرجنا أخلاقياً، وهو ما لا ينطبق مثلاً على التغيرات المناخية التي لا تثير فينا أحاسيس بالخجل أو عدم اللياقة، مثلما تثيره مسألة قتل الحيوانات أو الزواج المثلي أو غيرهما. والمجموعة الثالثة من الأخطار التي تشد الانتباه وتحفز على الحركة هي التي يكون لها وقع آني. والحال أن التغيرات المناخية ترتبط بالمستقبل ومايزال الكثير من الناس غير مدركين لحجم الأخطار المحدقة بكوكب الأرض من جرائها. أما النوع الرابع والأخير من التهديدات التي أشار إليها البروفيسور "جيلبرت" فهي تلك المباغتة التي تستحث المبادرة إلى معالجتها، لكنها لا تظهر عندما يتعلق الأمر بالبيئة ومشاكلها. فالتغييرات المناخية، أو ارتفاع درجة الحرارة ينظر إليها باعتبارها تهديدات بعيدة المدى ولا تؤثر مباشرة على حياة الأشخاص. بيد أن "جاري فاولر" المهتم بالتنوع الحيوي، لا ينتظر وقوع الكوارث للتحرك، بل ساهم في إنشاء منظمة بالتعاون مع الحكومة النرويجية، بهدف الحفاظ على التنوع الجيني للنباتات المهددة بالانقراض. ويقول "فاولر" في هذا الصدد إن التغيرات المناخية التي تشهدها الكرة الأرضية تسببت في مشاكل زراعية كبيرة، بحيث أصبح لزاماً على الإنسان إما تعديل المناخ ليتناسب مع نوعية المحاصيل، أو تعديل هذه الأخيرة لتتلاءم مع المناخ الجديد. ويوفر المشروع الذي يشرف عليه "فاولر" فرصة سانحة لتطوير النباتات والمحاصيل القادرة على مقاومة التغييرات المناخية مثل موجات الحرارة والجفاف التي تضرب بعض المناطق. ومن الأمثلة الشاهدة على أهمية المشروع وإسهامه في تعديل المحاصيل وتطويرها، لما فيه مصلحة الإنسان، قيام فريق "فاولر" بمعالجة أحد المحاصيل المنتشرة في آسيا وأفريقيا الشرقية لكنها تحمل في جيناتها مواد سامة تسبب للإنسان على المدى الطويل مشاكل صحية. فقد نجحت التجارب التي أجربت على المحصول في تطوير نوع خاص خالٍ من المواد الضارة بالصحة وأكثر مقاومة للظروف المناخية القاسية. ومن التوصيات التي خرج بها المؤتمر الذي عقد في ولاية "ماين" الأميركية ضرورة دراسة الطبيعة في حالتها الأولى لاكتشاف مكوناتها في حالتها الأصلية قبل تدخل الإنسان، وذلك بهدف استخلاص الدروس ومحاولة استنساخ تلك الحالة اعتماداً على العلم الحديث. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جريجوري لامب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو هيئة تحرير "كريستيان ساينس مونيتور" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"