من أبرز إيجابيات مشروع "مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي"، في أبوظبي، أنه اتجه منذ لحظة مولده إلى إنشاء أكاديمية للسينما في أبوظبي بالتعاون مع "أكاديمية نيويورك للفيلم"، في خطوة تعكس وعياً بقيمة استثمار بيئة هذا المشروع الثقافي الطموح من أجل دعم المواهب الوطنية الموجودة وتأهيل كوادر وطنية واعدة تحمل على عاتقها طموحات المستقبل الثقافية. أحد مداخل النقد التقليدية التي توجّه إلى أي توجّه ثقافي جديد في منطقة الخليج أن المسألة لا تتجاوز الأطر الاحتفالية ولا نتائج تذكر لها على أرض الواقع، وأن مردود هذه المهرجانات لا يوازي ما ينفق عليها مادياً، ولكن الموضوعية تقتضي القول إن منطقة الخليج العربي التي يصفها الكثيرون بأنها "صحراء ثقافية قاحلة" كانت بحاجة إلى مبادرات نوعية ثقافية بحجم الحراك الحاصل في أجواء أبوظبي الثقافية، ولعلّ الدليل الأبرز على ذلك أن من تابع تغطيات وسائل الإعلام العالمية خلال الفترة الماضية سواء لمهرجان السينما أو لغيره من المشروعات والمبادرات الثقافية، التي أعلنت مؤخراً، يخرج بحقائق عدّة أبرزها حدوث تحوّلات جذرية في نمط التدفّقات الإخبارية المقبلة من منطقة الخليج ومن دولة الإمارات على وجه التحديد إلى الاعلام الغربي، فالمتابعون والمتخصّصون يدركون أن نوعية الأخبار التي كانت تتدفّق عبر شارات البث في وكالات الأنباء العالمية لم تكن تتجاوز نطاق أسعار مواد الطاقة كالنفط والغاز، وأخبار الاستثمارات المالية هنا أو هناك ثمّ في بعض الأحيان تغطيات لتقارير منظمات دولية متخصّصة وقصص إخبارية يتسم أغلبها بالتحامل والمبالغة حول العمالة الوافدة أو غير ذلك، ولكن الآونة الأخيرة شهدت تحوّلاً ملحوظاً في نوعية الأخبار التي تتدفّق من دولة الإمارات إلى الإعلام الدولي، فهناك أخبار وتغطيات واسعة للطفرة التنموية الحادثة في مختلف المجالات، وهناك تغطيات موازية حول مفردات هذه الطفرة وأذرعها ومظاهرها في مجالات مثل العقارات وأسواق المال والاستثمارات ثم تكثيف الحديث، مؤخراً، عن التوجّه الثقافي الإماراتي الذي أدهش الكثيرين إقليمياً ودولياً سواء من خلال الأنباء التي تعكس جديّة هذا التوجّه وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنه ليس نوبة طارئة أو سحابة صيف عابرة وتمضي إلى حال سبيلها، بل هو توجّه مدروس قائم على قناعة حقيقية تجد صداها في الخطط الثقافية الضخمة التي رأى بعضها النور بالفعل مثل افتتاح فرع "جامعة السوربون" في أبوظبي، وتوقيع اتفاقية إنشاء متحف "لوفر-أبوظبي" وما يرتبط به من مشروع ثقافي عالمي متكامل على أرض "جزيرة السعديات"، و"جائزة الشيخ زايد للكتاب"، وتطوير "معرض أبوظبي الدولي للكتاب"، وأيضاً مشروع "كلمة" وهو أضخم مشروع ثقافي عربي للترجمة إلى اللغة العربية عن مختلف اللغات الأجنبية، وتنظيم الدورة الأولى من "مهرجان الشرق الأوسط الدولي للسينما" في أبوظبي، وغير ذلك من خطط نوعية ضخمة تجسّد هذه القناعة بجديّة الرهان على الثقافة كركيزة أساسية من ركائز التنمية الشاملة. هذا التحوّل في الوعي العالمي بما يحدث على أرض الإمارات يعيد تدريجياً تشكيل الصورة النمطية عن دولة الإمارات بصفة خاصة ومنطقة الخليج بصفة عامة؛ والهدف هنا بالتأكيد لا يقتصر على بناء صورة نمطية تتطابق مع الحاصل بعيداً عن القوالب النمطية المغلوطة، رغم أهمية هذا الشقّ، ولكن هذا التحوّل يترجم بالتأكيد إلى قيمة مضافة في المكانة الدولية، ويصبّ مباشرة في مصلحة دعم أجواء الاستثمار وجذب السياحة والانفتاح على الثقافات الأخرى، وتهيئة المجال أمام استثمارات الدولة في الخارج. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.