أخشى ما أخشاه، أن تتحول لقاءات المثقفين العرب عندما يجتمعون لمناقشة أي تحديات تواجه الثقافة العربية، والتي عادة ما يزهون بتلك الاجتماعات في بداية كل كلمة أو مداخلة، وتخرج هذه اللقاءات من إطارها التقليدي وهدفها الحقيقي إلى صراعات وخلافات فكرية تاركين قضايا المجتمع بعيداً عن المحاور الرئيسية للملتقيات، التي يضعها المنظمون. والخوف أيضاً، أن تترسخ الصورة، وتصبح نمطاً ثقافياً عربياً، نابعا من أن هذه الملتقيات هي مناسبة لتبادل الاتهامات حول الانتماءات الفكرية والأفكار التي يؤمن بها كل مثقف على حدة، وكأن المطلوب أن يكونوا جميعهم يحملون فكراً واحداً حتى يتفقوا. ورغم أن اختلاف الآراء والأفكار هو مناسبة للتصدي للتحديات ومعالجتها، فقد بات الصراع والقتال اللفظي، من طبائع الأمور والنقاشات في الملتقيات التي تتفاعل فيها الحياة الثقافية التي يفترض أنها مناسبة لتغذية الفكر والنقاش وإثرائه وليست مناسبة لاتهام أحد بأنه غالب أو مغلوب بحيث يصبح التوصل إلى الحد الأدنى من التوافق في ما بين المثقفين بعيد المنال. ما شهدته خلال جلسات "منتدى الاتحاد" قبل يومين، يوضح أن الاختلافات في الانتماءات الفكرية تزج بالجميع إلى مرحلة الصراع والانقسام أكثر مما تكون سبباً للبحث عن مدخل للتقارب والتفاهم، ومما استنتجته وغيري أن قضايا المواطن العربي العادي لم يصبح لها مكان ضمن أولويات المثقف العربي؛ فهذه القضايا لم تعد منطلقاً للحوار والفكر، فقد انعكست تلك الاختلافات والخلافات على كثير من المداخلات التي جاءت في حيثيات المنتدى بل حتى على هامش المنتدى، فقد كانت هناك "همسات" بين فكر هذا وفكر ذلك وكيف تحول من فكر إلى آخر، فكلٌ يتهم الآخر بأنه تحول من فكر إلى فكر علماً بأن هذا كله بعيد عن موضوع المنتدى وبعيد عن الهدف الذي كان يسعى إليه المنظمون وهو مناقشة "التحديات الثقافية العربية في عصر العولمة" في محاولة حقيقية لإعادة المثقف العربي إلى دوره الرئيسي تجاه المجتمع. كنا بإزاء مناقشة قضايا ثقافية وفكرية مختلفة وتوقعنا أن تجيب النقاشات على الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام وبعضها استفهامات أزلية متعلقة بطبيعة العلاقة بين المثقف والمجتمع، ولكن النقاشات جاءت في غير صالح قضايا المواطنين بل ربما لا أبالغ إذا قلت إن النقاشات أضافت إلى مشاكلنا وهمومنا هماً جديداً ومشكلة إضافية. كنا إزاء نقاش يعيد ترتيب الأولويات، أو هكذا اعتقدت، للمثقف العربي ولكن خرجنا بما بدأنا به، وكنا بصدد إيجاد سبل إحداث تغيرات لأوضاع عربية جامدة والانتقال بها من مرحلة الاتهام وتحميل الأسباب إلى مرحلة البحث عن المعالجة، ولكن كانت المداخلات سجالا من الاتهامات المتبادلة! أحد الضيوف ذكّرنا بأننا جئنا نعالج تحديات الثقافة العربية فأصبحنا "نحن التحدي نفسه". فقد جاءت النقاشات جلها بعيدة عن المحاور الرئيسية جلها اتهامات متبادلة أبعدتها عن عما كان يفترض وهو إعادة الثقافة إلى لعب دورها الاجتماعي. المنظمون، بشهادة الجميع، وفقوا في اختيار المحاور، وفي محاولتهم إعادة وظيفة المثقف الاجتماعية، بل إن التوقعات كانت تشير إلى سقف حصاد كبير مقارنة بجدية التنظيم وجودته، لكن المثقف نفسه كان يحاول إعفاء نفسه من تلك المسؤولية تاركاً وظيفته الطبيعية كوسيط بين النخبة والمجتمع بعيداً، ومتفرغاً لصراعات "القتالية" الثقافية التي يبدو أنها تحولت إلى عادة متأصلة لدى المثقفين. كان هناك إصرار من قبل الكثيرين على تحويل النقاشات إلى جدل حول الأفكار التي يحملها كل طرف، وفشلت بعض المحاولات في إرجاع دفة الحوار إلى المحاور الرئيسية للجلسات التي كان يفترض أنها تناقش قضايا المواطن العربي وثقافته. ودخلت بعض النقاشات، حسب وصف أحد الضيوف، إلى مرحلة عض الإصبع التي يحاول فيها كل طرف فرض رأيه على الآخر رافضاً الاقتناع أو الاستسلام. وأذكر أن هذه الممارسات استمرت إلى نهاية الجلسة الثانية وكانت النتيجة الخروج بحصاد أقل مما توقعنا جميعاً رغم أهمية اللقاء وحسن اختيار المحاور.