في أعقاب الزيارة الرابعة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية "كوندوليزا رايس" للمنطقة، للإعداد لمؤتمر السلام الخاص بالشرق الأوسط، نجد أنه لم يتم حتى الآن سوى الاتفاق على مكان عقد المؤتمر، أما صورته العامة فتبدو قاتمة. في بداية زيارتها حاولت رايس أن تخفض من سقف توقعات المؤتمر -ولم يكن ذلك مؤشراً حسناً في الحقيقة- حيث أدى إلى إرسال رسائل مختلطة وإشارات متضاربة، ولم يشفع لها أنها حاولت بعد ذلك التأكيد مرة أخرى على التزام بوش بإنشاء دولة فلسطينية. وبعد أن أجرت رايس عدة لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين عادت لتقول بوضوح إن الإدارة الأميركية لن تدفع بقوة من أجل الإعلان عن المحصلة المطلوب تحقيقها من ذلك المؤتمر أو جدوله الزمني، وهما متطلبان جوهريان من متطلبات إنشاء دولة فلسطينية. وخلال اجتماعاتها مع المسؤولين الإسرائيليين، لم تركز رايس على سياسات الخنق التي تتم ممارستها ضد سكان غزة، كما لم تكن هناك خلال تلك الاجتماعات سوى إشارة عابرة لمعاناة سكان الضفة، أما ما قامت به إسرائيل مؤخراً من مصادرة لمساحات كبيرة الأراضي شرق القدس لبناء طريق التفافي سيؤدي بعد الانتهاء منه إلى عزل الأقسام الشمالية من الضفة عن أجزائها الجنوبية، فلم تتم الإشارة إليه سوى بشكل موجز. وقد أصرت رايس خلال الزيارة على الالتقاء بالكثير من الشخصيات الإسرائيلية التي تشكل حكومة أولمرت، حيث قامت كل شخصية من تلك الشخصيات -كل بطريقته- بإبداء احتجاجها أو شروطها المسبقة بشأن مؤتمر السلام. والخلاصة التي يمكن للمراقب أن يخرج بها من ذلك هي أن إسرائيل على ما يبدو لا تشعر بحافز حقيقي يدفعها للاستجابة للمطالب الفلسطينية للسلام، أو لتغيير سلوكها. ويضع هذا الفلسطينيين والقيادات العربية التي أعربت عن التزامها بمؤتمر السلام في موقع حرج.. لأن تلك القيادات تعرف جيداً أنه بدون وجود طرف أميركي ملتزم لديه الرغبة في ممارسة ضغط مباشر على إسرائيل، فإن تلك المحادثات سيكون مآلها الفشل الحتمي. ولكن الفشل لا يعد خياراً مقبولاً... لماذا؟ لأن الفائزَين الحقيقيين في حالة الفشل، هما اليأس والإرهاب اللذين سيدفع العرب ثمناً باهظاً لهما. ولاستنقاذ الموقف يحتاج العرب إلى السعي الحثيث لاتباع استراتيجية مستقلة. فبدلاً من الوضع الذي يجدون أنفسهم حالياً فيه، وهو وضع المتلقِّين السلبيين الذين قد يقبلون بأي شيء تلقيه الدبلوماسية الأميركية غير الفعالة إليهم.. وبدلاً من أن يجعلوا النجاح والفشل مرهونين بما تسفر عنه المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، التي تتم بين طرفين لا يوجد بينهما توازن في القوة، فإن الدول العربية الرئيسية مطالبة بالعمل على صياغة موقف مشترك يجب أن تشتمل عناصره على ما يلي: 1- إصدار بيان كامل بالتصرفات الإسرائيلية التي تؤدي إلى تدمير مقوِّمات حياة الفلسطينيين، وتحول دون تبلور الأمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة. 2- إعداد قائمة واقعية وحقيقية بتلك التصرفات الإسرائيلية التي يجب وضع حد لها قبل عقد مؤتمر السلام. 3- التعبير بشكل واضح ومفصَّل عن مقترحات القمة العربية، بدلاً من استخدام لغة مبهمة مثل "السلام الكامل مقابل التطبيع الكامل". مع توضيح ما هو المقصود بالسلام النهائي، وتوضيح مراحل تحقيق هذا السلام، واستخدام جدول زمني واقعي تتم فيه بلورة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع. 4- الدعوة لتأجيل المؤتمر المزمع عقده، إلى أن تستجيب إسرائيل والولايات المتحدة إلى هذا النداء العربي الموحد. وخلال الأسابيع أو الشهور التي ستحتاج إليها إسرائيل والولايات المتحدة من أجل صياغة ردهما على تلك المقترحات، يتعين على الجانب العربي أن ينخرط في دبلوماسية نشطة لتعزيز مطالبه سواء في أميركا أو في إسرائيل، أو مع أعضاء الرباعية الدولية. وبدلاً من الدفع من أجل إعادة النظر في خريطة الطريق، فإن العرب سيحسنون صنعاً إذا ما قاموا بتطوير طريق فعلي يؤدي للسلام. وبدلاً من عقد هذا المؤتمر غير المُعرَّف بدقة، وغير المُعد له بشكل جيد، فإن الهجوم الدبلوماسي العربي، يمكنه أن يبث خلال هذه الفترة، روحاً جديدة في عملية السلام، ويمهد المسرح للمحادثات المستقبلية.