على خلفية التجاوزات العديدة التي يشهدها سوق العمل المحلي، وفي سبيل وضع الضوابط الرقابية اللازمة للحفاظ على حدّ معيّن من المؤسسية في استقدام العمالة الوافدة، يتحدّث مسؤولو وزارة العمل بين الفينة والأخرى عن وضع آليات جديدة لجلب وتوظيف العمالة الوافدة في القطاع الخاص للحدّ من ظاهرة المخالفين، ومن بين هذه الآليات التي قيل إنها تخضع لدراسات مستفيضة ربط مدّة بقاء العامل في الدولة بمدّة تنفيذ المشروعات التي تمّ استقدامهم لها وعدم السماح بالعمل بموجب تأشيرات زيارة وتوسيع نطاق استخدام تصاريح المهمّة. فاعلية هذه المقترحات وغيرها يبدو إلى حدّ كبير مرهون بتنظيم عملية استقدام العمالة الوافدة بمختلف شرائحها ونوعياتها، وإعادة النظر في دور مكاتب جلب العمالة المنتشرة بالدولة، والتي تلعب دوراً بارزاً في تغذية المظاهر السلبية السائدة في سوق العمل المحلي، فالواقع يشهد بأن شركات توريد العمالة القائمة حصرت خدماتها ونشاطها تقريباً في جلب الخادمات، وبالتالي فهي مسؤولة عن نسبة كبيرة من السلبيات التي تشوب هذا الملف. في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر 2006 نقلت صحيفة "الاتحاد" عن الدكتور علي الكعبي، وزير العمل، تصريحات كشف فيها عن بدء خطوات تأسيس شركة لاستقدام العمالة الوافدة كان يفترض أن تبدأ عملها أوائل العام الحالي بحسب هذه التصريحات، التي تحدّثت عن تصوّر متكامل يبدأ بشركة واحدة للاستقدام على أن تنشأ شركات أخرى في حال نجاح التجربة لإيجاد نوع من المنافسة والجودة في الأداء. والآن وبعد مرور أكثر من عام كامل على هذه التصريحات لم تخرج الشركة المشار إليها إلى النور! وما زالت ممارسات مكاتب استقدام العمالة تمثّل ثغرة في أداء سوق العمل المحلي، فهل تمّ صرف النظر عن خيار إنشاء شركة واحدة وتوحيد جهات الاستقدام، أم أن هناك تأخراً في إجراءات إنشاء الشركة المشار إليها؟ منتصف الأسبوع الماضي، طالبت وزارة العمل على لسان حميد بن ديماس، وكيل الوزارة المساعد، بإعادة النظر في نظام استقدام الخدم وقانون جلبهم وأيضاً دور مكاتب توريد العمالة في هذا المجال، مؤكّدة أن ظاهرة هروب الخدم انعكست بشكل واضح على سوق العمل وأثرت فيه سلباً. وهذا التصريح يبدو أيضاً مثار استغراب، فعندما تطالب وزارة العمل بإعادة النظر في دور مكاتب توريد العمالة، فإن الأمر يبدو ملتبساً وغامضاً باعتبار أنها الجهة الرسمية المسؤولة عن هذه المكاتب، ما يدعو للتساؤل عن هوية الجهة المخاطبة في حديث سعادة الوكيل المساعد لوزارة العمل؟ وهل يفهم من هذا الحديث أن مشروع إنشاء شركة واحدة متخصّصة لاستقدام العمالة قد وئد إلى الأبد؟ العمالة الوافدة المؤقتة بـ "قصر الإمارات" في أبوظبي، بحضور نوعي وتمثيل على مستوى الوزارات الاتحادية والحكومات المحلية لوضع رؤية مشتركة وصياغة موقف متكامل من القضايا المتعلّقة بعلاقات العمل، مدعوة إلى إعادة النظر في الكثير من آليات العمل ومراجعة الكثير من القواعد والأسس التي تحكم وتتحكّم في سوق العمل المحلي، وربما يكون الحوار الموسّع مع الجهات المحلية ذات الصلة فرصة مناسبة للتعرّف إلى مواطن الخلل والثغرات وبناء إجماع حول الإشكاليات العمالية بما يسهم في بلورة رؤية رسمية مشتركة للتعامل مع القضايا الرئيسية والثانوية في هذا الملف الحيوي.