اعتذرت الإذاعة العامة الوطنية الأميركية "إن. بي. آر" عن إجراء مقابلة خاصة مع الرئيس جورج بوش! بعد أن أعلمت السكرتيرة الصحفية "دانا رينو" أن الرئيس يشترط أن يجري المقابلة معه صحفي معين هو "جوان وليامز"، الذي سبق أن التقى بالرئيس في مقابلة إذاعية وحيدة سابقة. إذاعة ترفض مقابلة الرئيس لأنه حدد اسم الشخص الذي كان يرغب في الالتقاء به، لنعكس المشهد ونطبقه بتفاصيله على الصورة العربية، ففيها كنا سنجد التصفيق والحسد والحسرة، والتطبيل، وحرق البخور، وابتكار كل أنواع النفاق المشهر لدرجة تدعو إلى الامتعاض. لأي مستوى وصل لديهم الفكر الصحفي الذي لا يمكن أن يُشترى بالسلطة أو بالمال أو حتى بالعلاقات الشخصية؟ وأزعم أن الأمر عبارة عن منظومة متكاملة، فالفكر له أبعاده الحرة، والإنسان يمارس حقه السياسي والإنساني الصرف دون مخاوف أو قلق، لأن النظام القائم يعطيه فرصة الحماية ويطبق فكراً ليبرالياً ديمقراطياً قادراً على أن يجعل من الصحافة والإعلام حرية مسؤولة لأقصى حالات الحرية الجميلة. فالعمل بمثل هذا الثبات وهذه القيم، استلزم سلماً طويلاً من الإنجازات ليصل إلى هذه الدرجة من الحرفية. وعلى الرغم من أن الناشرين والصحفيين في الولايات المتحدة لهم همومهم واحتجاجاتهم، خاصة بعد الخبر الذي بعث على الاكتئاب والانقباض في وسائل الإعلام عندما أعلنت عائلة "بانكروفت" مالكة "ذي وول ستريت جورنال" استعدادها لبيع جريدتها لـ"موردوخ" مقابل خمسة مليارات دولار، لأن الجريدة سالفة الذكر، تُعد من أهم صحف أميركا التي تقوم بنشر أعمدة صحفية قوية يُعتد بها في الصحافة الأميركية. ورغم هذا الهم الأميركي والمخاوف المتزايدة من شراء رجال أعمال للصحف مخافة أن يؤثر فكر رجال الأعمال الربحي على مضمون الصحيفة وصدقيتها، وتتحول إلى صحف معنية بأسواق المال وكيف تجني مزيداً من الأرباح، فإنهم يظلون على أعلى السلم الإعلامي المستنير والمهتم بتطوير أدواته ودمغها بدفقات من الحرية ومن كشف المستور ومن الاحترام الذي يتعامل به الصحفيون مع مادتهم الإعلامية وثوابتهم الأخلاقية. وليس من المنصف مقارنة صحف الوطن العربي بصحافة ولدت حرة، وما يزيد الأمر حسرة وصعوبة هو تعامل القائمين على الصحف ذاتهم مع مادتهم الخبرية وإصرارهم على الوقوف على عتبات أصحاب السلطة لاستئذانهم فيما يودون نشره. فالنزاهة في الصحفي مطلب مُلحٌ، وحقيقة ساطعة لابد أن تسكن ضمير الصحفيين على طول خط الاحتراق في هذا العمل الشاق. فشرف المهنية يفرض قيوده ويفتح آفاقه أيضاً، لكنها قيود من نوع خاص تلك التي يبتكرها الصحفي المصر على تمثيل دور الخادم المطيع، وانتظار السيد حتى يدلي بأوامره. فالمفاجآت لا تنتهي والذين ينتهكون ثوابتهم وقيمهم صاروا في ازدياد، ويطالعوننا كل يوم بمزيد من التنازلات والهزائم. هل فكر أحدهم في ضميره ذات مرة؟ إن فعل هذا الأمر إذاً ما زال مترعاً بالأمل... وهذا هو الرجاء.