عندما أنظر إلى المرشحين للانتخابات الرئاسية وهم يتحدثون عن 47 مليون أميركي لا يستفيدون من التأمين الصحي، ويقترحون الخطط لإصلاح نظام الرعاية الصحية، فإن ما يتبادر إلى الذهن هو مشهد يرجع إلى ديسمبر 2003: الرئيس بوش جالس إلى الطاولة في واشنطن وهو يوقع برنامج الرعاية الصحية الخاص بالمسنين في حين اصطف المشرعون الأميركيون وراءه مبتهجين بتحول اقتراحهم إلى قانون ناجز. وقد أسيل الكثير من المداد حول الفوائد الكبيرة التي سيحملها القانون إلى المواطنين المسنين، بحيث سيساعدهم على دفع ثمن الدواء الذين هم في حاجة إليه. ولعل البعض يعتقد أن سخاء الرئيس والمشرعين ساهم في توفير الأموال الضرورية لتطبيق برنامج الرعاية الصحية لذا يحق لهم الافتخار بإنجازهم ونسبه إلى أنفسهم. لكن لا أحد قال شيئاً عن دافعي الضرائب الذين تحملوا مسؤولية تسديد نفقات البرنامج من جيوبهم الخاصة. والواقع أني أستحضر هذا المثال لأنه أصبح شائعاً هذه الأيام، إذ يتفق الحزبان على حجب الحقائق عن المواطنين بدل تنويرهم حول قضايا الرعاية الصحية التي تهمهم. والهدف طبعا هو التودد للناخبين طمعاً في أصواتهم بدلا من تثقيفهم وتوضيح العلاقة المتلازمة بين الحقوق والمسؤوليات. ويبدو أن الحكومة الأميركية أصبحت اليوم منفصلة تماماً عن الشعب لينطبق عليها الوصف: حكومة لنفسها وبنفسها ومن أجل نفسها. وهنا يبدو أن السياسيين الأميركيين يتجاهلون السؤال الحقيقي: هل تجلب المواطنة الأميركية معها الحق في الاستفادة المالية والتمتع بالرعاية الصحية؟ فعلى امتداد السنوات الماضية طورنا جواباً يتأرجح بين الرفض والقبول من خلال الاقتراحات التي تجمع بين الإثنين مثل الرعاية الصحية التي يمولها المشغل، بالإضافة إلى البرامج العديدة الأخرى التي اتخذت أسماء متنوعة تجمع بين تمويل المواطن، وبين إسهام الدولة. وقد أنتج ذلك واقعاً متردياً لا يرضي أحداً، ولأسباب وجيهة. فنحن مجتمع غني ومتقدم بما يكفي للتعامل مع مسألة توفير الرعاية الصحية الضرورية باعتبارها حقاً يولد مع المواطن. والتركيز على عبارة "حق" مهم للغاية لأنها في هذا السياق تجمع بين الحقوق والمسؤوليات بهدف فصلها عن التصور الشعبي الذي ينظر إلى الحق باعتباره استحقاقاً، أي بمعنى هبة، أو فيء تجود به الدولة على المواطنين. فإذا كنا مع فكرة الحق في الاستفادة من الرعاية الصحية منذ الولادة، فإن ذلك سيترتب عليه مسؤوليات جديدة أيضاً. وكمبدأ أساسي نبدأ به يتعين على جميع المواطنين أن يمولوا بأنفسهم، قدر استطاعتهم، رعايتهم الصحية الخاصة حتى لا يفرضوا شروطهم على الآخرين، ومن هذا المنطلق سيكون على الأميركيين أن يدفعوا مسبقا ثمن التغطية الصحية التي تشمل الاحتياجات الطبية الطارئة. ويعني ذلك أن ثمن الرعاية الصحية في حالات الطوارئ سيتم توزيعها على جميع المواطنين من خلال تسديد رسوم التأمين. وفي الوقت الذي سيتم فيه تغطية نفقات المشاكل الصحية الخطيرة، فإن معظم الأميركيين سيدفعون اقتطاعات من دخلهم للحصول على الرعاية الصحية الأساسية. وبالطبع فإنه بالنسبة للأشخاص الذين لا يستطيعون الدفع ودخلهم محدود سيتولى المجتمع الدفع نيابة عنهم، وهو أمر منطقي أن يقع العبء على الفئات الاجتماعية ذات الدخل المرتفع. لكن هذا التصور يثير العديد من الإشكالات المعقدة مثل تحديد مستوى الدخل الذي يسمح للشخص بتحمل نفقات الرعاية الصحية، كما يتعين الحسم في حزمة التأمين وهل ستكون موحدة تنطبق على جميع السكان، أم سيكون هناك أكثر من حزمة للتأمين تضم مقتضيات وأحكاما مختلفة؟ ويتعين بالإضافة إلى ذلك معرفة ما إذا كان الأشخاص الذين يعانون من بعض الأمراض المزمنة، أو يعانون من الإدمان على الكحول والمخدرات سيتعين عليهم دفع أقساط أكبر مقارنة مع باقي المنخرطين؟ ومع أن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست بالأمر الهين، إلا أن الكونجرس والمرشحين الرئاسيين يرفضون حتى الاقتراب منها. والواقع أن هناك فوائد عديدة لنظام الرعاية الصحي الذي يذهب إلى أكثر من توفير الرعاية للجميع. فمادام معظم الأميركيين سيكونون قادرين على ضمان العلاج في حالات الطوارئ، فإنهم فيما عدا ذلك سيلجأون إلى أفضل المنتجات في السوق. وهو ما سيطور النظام الحالي الذي يفتقر إلى الشفافية في تقييم جودة الخدمات المطروحة، كما قد يقود النظام الجديد إلى استحداث إطار للتعليم المستمر يخضع له الأطباء بهدف التقليل من الأخطاء الطبية. وإذا طالبت الحكومة المستشفيات التبليغ عن أي خطأ طبي يحدث خلال 24 ساعة، فإن جودة الرعاية والخدمات الصحية المقدمة ستتحسن بشكل ملحوظ. وبدلاً من عرض حالات الأخطاء الطبية على المحاكم المدنية سيتم تشكيل هيئة مستقلة لتحديد الضرر الاقتصادي ودفع تعويض للطرف المتضرر من عائدات الخزينة العامة. ويمكن أيضاً الاعتماد على البيانات الخاصة بالمرضى لاستحداث سجلات تساعد الأطباء والمستشفيات على التقليل من إمكانية الوقوع في الأخطاء. وبالنظر إلى العصر الرقمي الذي نعيشه والإنجازات العلمية في هذا المجال، فإنه من العبث أن نستمر في خسارة المزيد من الأرواح لأن المستشفيات لا تتوفر على التاريخ الصحي للمريض. وفي الأخير لا يمكننا التعامل مع التغطية الصحية، والنفقات الطبية، أو جودة الرعاية وتكنولوجيا المعلومات بمعزل عن بعضها بعضا. ففي الوقت الذي نسعى فيه إلى ضمان الرعاية الصحية لجميع الأميركيين، علينا أن ننظر إلى نظام التأمين الصحي من جميع جوانبه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بول أونيل وزير الخزانة الأميركي السابق بين 2001 و2002 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"