منذ عام 1993 وتايوان تكرر كل عام دون نجاح تقديم طلب لنيل عضوية الأمم المتحدة التي سحبت منها في أوائل السبعينيات لصالح الصين، بما في ذلك بطبيعة الحال عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي. غير أن الجديد هذا العام هو أن إدارة الرئيس الحالي "تشين شوي بيان" تقدمت بطلب الحصول على مقعد تحت اسم "تايوان" بدلاً من اسم "جمهورية الصين"، وذلك في محاولة للقول بأن تايوان كيان لا علاقة له بالصين وشيء مختلف عن الأخيرة، وهو ما فشلت فيه في ضوء معارضة بكين ومجموعة كبيرة من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة. وواشنطن، بطبيعة الحال، شأنها في ذلك شأن دول عديدة، تتعاطف مع رغبات الشعب التايواني وقادته في أن يكون لهم دور معترف به في المحافل الإقليمية والدولية يتناسب مع ما حققوه على مدى العقود الستة الماضية من تقدم سياسي واقتصادي وعلمي. غير أن الإدارة الأميركية الحالية لها أولويات منها الحفاظ على قدر من التعاون والتفاهم مع القطب الصيني للتعامل مع الملفات الساخنة الراهنة وعلى رأسها موضوع البرنامج النووي الكوري الشمالي، والتحديات التي تشكلها إيران، وقضية مكافحة الإرهاب، وأزمة الشرق الأوسط، والوضع في العراق وأفغانستان، وبالتالي فهي ليست مستعدة للسير مع حلفائها التاريخيين في تايبيه في موضوع يمكن أن يسخن الأوضاع في منطقة مضيق تايوان ويضع واشنطن في مأزق حرج، في ضوء التزامها المبدئي بالدفاع عنهم وحمايتهم. ومن هنا رأينا الأخيرة تعارض الطلب التايواني، بل وتندد علنا بسياسات الرئيس "شوي بيان" الرامية إلى إجراء استفتاء شعبي حول نيل عضوية الأمم المتحدة، وتعلن تمسكها بمبدأ الصين الواحدة جنباً إلى جنب مع مبدأ المحافظة على الوضع القائم في مضيق تايوان. وهذا بدوره أغضب دوائر كثيرة في تايبيه بدليل صدور تعليقات رسمية وغير رسمية منددة بمواقف الحليف الأميركي وسياساته غير المسبوقة في شكلها ومفرداتها وسخونتها. والحقيقة أنه لولا أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي غيرت أولويات إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش لكان الأمر مختلفاً. فهذه الإدارة حينما جاءت إلى السلطة قبل ست سنوات كانت ترى في الصين منافساً خطيراً على مصالحها الاستراتيجية، وبالتالي عقدت العزم على تعزيز قدرات تايوان كإحدى وسائل احتواء الصعود الصيني المشهود. غير أن هذا توارى ليحل محله التقارب والتفاهم مع بكين في جملة واسعة من الملفات المهمة ابتداء من ملف مكافحة الإرهاب الدولي وانتهاء بملف الاحتباس الحراري، ناهيك عن تعزيز التعاون والتبادل التجاري بين البلدين والذي حقق هذا العام أرقاماً غير مسبوقة وصلت إلى نحو 300 بليون دولار. وترى واشنطن أن مساعي حكومة تايوان، التي لا تعترف بها في الوقت الحاضر سوى 24 دولة صغيرة غير مؤثرة على الساحة الدولية، لها علاقة بالصراعات السياسية الداخلية، وتحديداً لجهة رغبة رئيسها الحالي "شوي بيان" في دغدغة عواطف التايوانيين من أجل تعزيز شعبية حزبه الحاكم (الحزب التقدمي الديمقراطي) المتهاوية قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة نهاية العام الجاري. وهذا لئن كان صحيحاً ويؤكده مراقبون كثر، إلا أنه لا ينفي إصرار معظم قادة الأحزاب والمنظمات الجماهيرية في تايوان على تسوية الوضع القانوني لبلادهم وبشكل يتيح لها لعب دور مستقل ومعترف به على الساحة الدولية. والمعروف أن الرئيس "شوي بيان"، لم ينجح في طرد حزب "الكومينتانغ" التاريخي الذي حكم تايوان دون انقطاع منذ تأسيسها عام 1949 وحتى عام 2000 من السلطة إلا بفضل تبني برنامج يدعو إلى إعلان الاستقلال عن البر الصيني. وهو لئن تراجع عن ذلك لاحقاً تحت تهديدات بكين وضغوط الحليف الأميركي، إنه كثيراً ما عاد إلى التحدث عن هذا الملف إلى الدرجة التي غضبت منه واشنطن في مناسبات عديدة، بل وحالت ذات مرة دون دخوله أو مروره في الأراضي الأميركية. كما وأنه منذ بدء فترته الرئاسية الثانية في عام 2004 بدأ تدريجياً في إزالة الاسم القديم لبلاده وهو "جمهورية الصين الوطنية" من المناهج المدرسية والمؤسسات الرسمية والمطبوعات الحكومية لصالح اسم "تايوان"، الأمر الذي فسرته بكين على أنه عمل استفزازي ومقدمة لإعلان الاستقلال، وردت عليه بإصدار تشريع يقضي بالتخلي عن الوسائل السلمية واللجوء إلى الأعمال العسكرية إن أعلنت تايبيه صراحة استقلالها. لكن كيف ينظر الآسيويون، وتحديداً دول جنوب شرق آسيا، إلى الطموحات التايوانية، وهي التي لا زالت تتمتع بروابط غير رسمية مع هذا الكيان، وتستفيد من إمكانياته الاقتصادية والاستثمارية والعلمية والتكنولوجية، وتستقبل مئات الآلاف سنوياً من رجال أعماله وسُياحه، وأحياناً بصورة تفوق الفائدة المتحققة من روابطها مع الصين؟ لاشك أن هذه الدول تتعاطف مع مساعي تايبيه، وان لم تجاهر بذلك علناً حفاظاً على علاقاتها مع بكين وتمشياً مع الأعراف الدبلوماسية. وما لا يقوله الرسميون يمكن سماعه في دوائر الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية التي تدعو على الأقل إلى إيجاد حل لمنح تايوان مقعداً في بعض المنظمات الدولية والإقليمية من أجل الاستفادة القصوى من إمكانياتها الكبيرة. فعلى سبيل المثال لا ترى هذه الدوائر مبرراً للرفض الذي قوبل به طلب تقدمت به تايبيه مؤخراً للانضمام إلى منظمة الصحة العالمية التي كثيراً ما منحت عضويتها إلى دول غير مستقلة، لا سيما وأن وجود دولة معروفة بتقدمها الطبي واكتشافاتها العلمية والدوائية كتايوان في أطر المنظمة يعني الاستفادة منها في مكافحة الأمراض المعدية وتعزيز التعاون الطبي والصحي العالمي بصورة أكبر من دول كثيرة أخرى. وبالمثل فإن وجود تايوان كعضو في التجمعات والهياكل الاقتصادية الآسيوية، كمبادرة "تشيانغ ماي" الجنوب شرق آسيوية المعنية بمراقبة الأنشطة المصرفية والنقدية للحيلولة دون وقوع أزمة اقتصادية كبرى كتلك التي وقعت في عام 1997، مفيد وحيوي بفضل ما تمتلكه هذه البلاد من خبرات وأنظمة مصرفية ونقدية راقية واحتياطيات مالية ضخمة. والشيء نفسه يقال حول منح العضوية لتايوان في المنظمات والتجمعات الإقليمية والدولية المعنية بالثقافة والتعليم والبحث العلمي، حيث تتمتع هذه البلاد، بفضل ما استثمرته خلال العقود السابقة من أموال وجهود، بمؤسسات تعليمية متقدمة وكوادر مؤهلة وخبرات فريدة، يمكن الاستفادة منها في رفد المشاريع والبرامج الإقليمية والدولية في الحقل المعرفي. بقي أن نقول إن رفض الطلب التايواني لنيل عضوية الأمم المتحدة هذا العام أيضاً ليس نهاية المطاف. فتايبيه ستواصل هذه المساعي حتى في ظل عودة حزب "الكومينتانغ" إلى السلطة في الانتخابات القادمة، وبكين ستعارض بطبيعة الحال لكن دونما التورط في ردود فعل عنيفة يفسد عليها صعودها ومكانتها الدولية، والاكتفاء في كل مرة بالضغط على الأميركيين للجم حلفائهم في تايبيه وتذكير واشنطن بالتزامها المعلن بمبدأ وجود صين واحدة. elmadani@batelco.com.bh