اعتقد يا سيادة الرئيس بوش أنه لا يغيب عن أسماعك ذلك الرنين الذي تمتلئ به الأحاديث والكتابات العربية... وهو رنين الشك في نجاح مؤتمرك للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولاشك أن وزيرة خارجيتك تعني أن المخاوف والشكوك ليست من نصيب الكتّاب والمثقفين وحدهم بل إنها تشمل الرسميين العرب مثل وزير الخارجية السعودي وزميله المصري فضلاً عن الرئيس الفلسطيني. وبما أنني حريص على نجاح الصفقات المتكافئة في حياة الأمم باعتبار أن صيغة "الربح للطرفين" (win-win) هي أفضل الطرق للتسويات المُرضية، فإنني امتنع عن إضافة المزيد من السطور المعبرة عن المخاوف والشكوك العربية في هذا المقال واتجه بفكري نحو طرح سياسي يمكنك من تحقيق المصلحة الأميركية الدافعة إلى مؤتمرك، أياً كان تعريفها في ذهنك والحصول على ميزة إضافية، وهي دخولك التاريخ من باب صُناع السلام مقابل حصولنا على مطلبنا العادل في دولة فلسطينية على كامل مساحة الضفة وغزة بعاصمة هي القدس العربية وحصول إسرائيل على الميزات الواردة في مبادرة السلام العربية. دعنا يا سيادة الرئيس بوش نتأمل العقبة الرئيسية التي تعترض نجاح مؤتمرك، والتي تنذر بتحويله من نقطة عمل تاريخية حاسمة إلى مجرد اجتماع علاقات عامة، فلعل تأملنا لطبيعة هذه العقبة يوحي لنا بالطريق اللازم للتغلب عليها. قبل وصول وزيرة خارجيتكم إلى المنطقة الأسبوع الماضي حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت من أنه إذا وافق على جدول زمني لإنهاء عملية التفاوض، وإذا ما أعلن مواقف محددة في قضايا التسوية النهائية، فإن العالم سيكون قد حصل على موافقات رئيس وزراء محكوم عليه بفقد حكومته ومنصبه، كان أولمرت بذلك يشير إلى المعارضة الداخلية في حكومته من جانب شريكيه الائتلافيين حزب "شاس" وحزب "إسرائيل بيتنا" لأي تنازلات جوهرية لتحقيق السلام. عندما وصلت "رايس" إلى إسرائيل، طلب منها أولمرت أن تجتمع بشريكيه لتتبين بنفسها خطورة موقفه ولتتأكد أن حكومته مهددة بالانفراط إذا ساير المطالب العربية لإنجاح المؤتمر. اسمح لي سيادة الرئيس بوش بأن تطالع في صحيفة "هآرتس" الصادرة الثلاثاء الماضي ماذا قال زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" الوزير "ليبرمان"- الذي يمسك وزارة الشؤون الاستراتيجية- لوزيرة الخارجية الأميركية. قال محذراً "إن حكومة إسرائيل لا تستطيع في الظروف الحالية أن تسمح لنفسها باتخاذ قرارات في المسائل الحساسة تكون موضع خلاف". وأكد للوزيرة أنه يعارض قيام مؤتمر السلام بمناقشة القضايا الجوهرية، قائلاً: "إن المؤتمر خاطئ من ناحية التوقيت الحالي، وإن عقد مؤتمر إضافي في سلسلة المؤتمرات سيكون عديم المعنى طالما أنه لن تترتب عليه نتائج عملية يشعر بها الفلسطينيون والإسرائيليون"، ويتبين من تقرير "هآرتس" أن ليبرمان قد سخّف من توقيت عقد المؤتمر، وقلل من شأنه في ضوء رفضه شخصياً لمناقشة أي قضايا جوهرية تتعلق بالتسوية النهائية نتيجة لمعتقداته المتطرفة. معنى هذا يا سيادة الرئيس بوش أن رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي انشق مع شارون عن حزب "الليكود" نتيجة لرفض اللجنة المركزية لـ"الليكود" لرؤيتكم حول إقامة الدولة الفلسطينية المجاورة لإسرائيل، قد أصبح رهينة مرة أخرى لشريكيه المتطرفين حزب "شاس" وحزب "إسرائيل بيتنا". لقد خرج أولمرت مع شارون من أسر التطرف "اليميني" في "الليكود" ليشكلا حزب "كاديما" المستعد لتطبيق رؤيتكم بالنص عليها في برنامجه الانتخابي، ولقد منحت غالبية الجماهير الناخبة في إسرائيل هذا الحزب ثقتها ففاز بحق ترؤس وتشكيل الحكومة على أساس رؤيتكم لحل الصراع، إذن نحن أمام حالة تتحكم فيها أقلية "يمينية" متطرفة في اختيار الأغلبية وتسد الطريق نحو حل نهائي على أيديكم في مؤتمركم المزمع. ترى هل يوحي هذا المشهد لكم ولخبرائكم بالطريق اللازم للتغلب على هذه العقبة؟ التغلب على هذه القلة المتطرفة يبدأ بحواركم مع الجنرال "باراك" الشريك الائتلافي الأكبر لحزب "كاديما" أثناء وجوده حالياً في واشنطن للتباحث حول قضايا التسلح فلقد كان حزب العمل بقيادته شريكاً للإدارة الأميركية في عهد كلينتون عام 2000 في جهود التسوية النهائية بكامب ديفيد الثانية. سيادة الرئيس بوش إذا كنت حقاً عاقداً العزم على تحقيق المصالح الأميركية والسلام، فإنكم تملكون مفاتيح التأثير في الموقف الإسرائيلي لعزل الأقلية والتخلص من ديكتاتوريتها المهددة لمصالحكم ولآمال الشعوب في السلام العادل.