نشرت صحيفة "هآرتس" سلسلة غير مسبوقة من المقالات التي تستميل القراء إلى قبول إلغاء قانون العودة. ومن أهم الحجج التي أثيرت في هذا الصدد أنه إذا لم يتم إلغاء ذلك القانون، فإن إسرائيل ستغمر في القريب العاجل بمئات الألوف من المهاجرين الآسيويين والأفارقة غير المرغوب فيهم. ونشرت "هآرتس" على سبيل المثال مقالاً في أبريل عام 1997 بالعنوان المثير التالي: "وطن قومي لمليار صيني"، وتحته العنوان الفرعي التالي: "وللتايلانديين والروس والفلبينيين والرومانيين ولحفنة من أصحاب العقول من أميركا". وقام "أرييه كاسبي" المحرر بصحيفة "هآرتس" وصاحب هذا المقال بتحذير إسرائيل من أن "عليها أن تقيد الهجرة وإلا فستجد نفسها وقد اجتاحها مهاجرون لا ترغب الدول الأخرى فيهم. وختم مقاله بالتساؤل "إلى متى ستُبقي باب الهجرة مفتوحاً؟" ولا تخلو مقولة "مليار صيني" من ظل من الحقيقة. فلقد تحول إلى اليهودية في السنوات العشر الماضية ثلاثمائة هندي وهاجروا إلى إسرائيل. وأثارت هذه الحجة مخاوف وصلت إلى حد تحذير البعض من إمكانية تهوِّد ملايين الهنود، وتحول أمر إسرائيل إلى يد قوى أجنبية غير منظورة من العالم الثالث. وظهرت في الصحف الإسرائيلية تقارير تفيد أن أعضاء بعض القبائل الفقيرة في نيجيريا والهند قد قرروا إعلان انتمائهم للعقيدة اليهودية وأنهم في واقع الأمر يهودٌ منذ مئات السنين. وهؤلاء المتهودون الجدد أو مدعو اليهودية يهاجرون ليس بسبب أي دوافع دينية أو رؤية الخلاص ولكن من أجل التمتع بالمزايا الاقتصادية والرعاية الاجتماعية. وقد لعب أحد حاخامات "جوش إيمونيم" بإعلان أن هذه القبائل هم "أسباط إسرائيل العشرة المفقودة"، وذلك حتى يتسنى توطنيهم في الضفة الغربية. كما قام حاخام آخر بتهويد بعض الهنود الحمر في بيرو، ثم نقلهم إلى إسرائيل ووطّنهم في المستوطنات داخل الضفة الغربية للمشاركة في بناء ما يسمى بإسرائيل العظمى. وليس مستغرباً أن كثيراً من الإسرائيليين من أصول غربية، الذين مازالت لديهم مشكلات عديدة في مواكبة اندماج يهود الفلاشا الإثيوبيين، قد أصابهم الهلع والفزع من احتمال غزو الآلاف. وطالب "يائير تزابات" وزير الاستيعاب بإدخال تعديلات جوهرية على قانون العودة لمنع هجرة "ملايين" من الهند وربما من الفلبين، من المهاجرين الأميين من العالم الثالث. والأخطر من ذلك أن هجرة هذه الآلاف من "القبائل العبرية التائهة" ربما تشجع آلافاً أخرى من المهاجرين في آسيا وأفريقيا على الهجرة إلى إسرائيل، لأن اعتناق اليهودية أصبح يعني التحول من عالم الفقر المدقع إلى عالم إسرائيل، عالم الرفاهية العالمي الأول. ووصل الأمر إلى حد مطالبة أنصار البيئة بتقييد الهجرة إلى إسرائيل لاعتبارات بيئية على أساس أن قانون العودة أغرق إسرائيل بكثافة يهودية لا تطيقها من المنظور البيئي. وفي عام 1995 أعلن "يوري جوردون" رئيس إدارة الهجرة والاستيعاب بالوكالة اليهودية أن الوكالة اليهودية شرعت في إخضاع الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل لفحوص للتأكد من قدرتهم على إعالة أنفسهم وعدم معاناتهم من مشكلات نفسية، وإقناع من تثبت عدم لياقته بالبقاء في الشتات رغم علمها أن هذه الإجراءات تتناقض مع قانون العودة. وأعلن وزير الداخلية الإسرائيلي "أفراهام بوراز" أن الوزارة لن تمنح الجنسية الإسرائيلية بصورة تلقائية لكل من يعتنق اليهودية كما ينص قانون العودة. فقد رأى الوزير أن اعتناق اليهودية أصبح سبيلاً إلى الحصول على الجنسية الإسرائيلية دون الرغبة الحقيقية في الانصهار في بوتقة الشعب اليهودى. وقد اتخذ الوزير هذا القرار استناداً إلى حجة قانونية طرحها النائب العام، وهي تستهدف بالأساس العمال الأجانب الذين يرغبون في الحصول على الجنسية باستخدام طرق ملتوية. بيد أن "بوراز" لا يعارض تسهيلات دخول إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية لأولئك الذين يعيشون في إسرائيل، والذين لا يشك في ولائهم للصهيونية ولهم إسهامات في المجالات الاقتصادية والرياضية والثقافية، لكنه يرفض الربط المباشر بين التحول إلى اليهودية والحصول على الجنسية، فهذا أمر غير مقبول. بيد أن ذلك ينم عن حالة من عدم الاتساق، لأن "بوراز"- الذي تعهد بفصل الدين عن السياسة- يوظف الحاجة الملحة لتصحيح خطأ غير مقبول من أجل إحداث ثورة كاملة في قضية الجنسية. فلا أحد يجهل أن قانون العودة جزء أساسي من الدستور الإسرائيلي غير المكتوب. ومن ثم لا ينبغي أن يكون عرضة لتعديلات وتغييرات هائلة من خلال اللوائح الداخلية دون إعطاء فرصة المشاركة للمشرعيين والرأي العام لإبداء آرائهم قبل اتخاذ قرارات نهائية. "Tampering with the Law of Return" (www.haaretzdaily.com 22\05\2003). وفي مقال بعنوان: "يجب إلغاء قانون العودة وانتهاج قانون هجرة جديد لا يكون فيه الأصل اليهودي سوى أحد الشروط" (يديعوت أحرونوت 5 مارس 2007) قال "يرون لندن"، كاتب المقال، إن هزال الدولة وضعفها في السنوات الأولى لوجودها كانا بمثابة دافع اليهود وحدهم بالهجرة إلى إسرائيل. أما الآن، فيتطلع للانضمام إليها أناس كثيرون، قلة بينهم يهود. وهذا أجبرنا لأن نقرر من هو اليهودي لأغراض قانون العودة. وحسم الأمر بالقول إن اليهودي ليس بالضرورة اليهودي حسب الشريعة. ولما كان هذا ما تقرر، فقد اضطررنا لأن نحدد ما هي نسبة وجود الدم اليهودي الذي يسوغ للمرء أن يهاجر إلى هنا تحت رعاية القانون. والترددات في هذه المسائل أجبرتنا على أن نقرر من هو الحاخام المخول بالتهويد وعلقنا في خلافات مستمرة بين التيارات المختلفة في اليهودية". ومهما يكن من أمر فإن عدد المهاجرين اليهود تقلص لدرجة أنه لم يصل إلى الدولة في عام 2005 سوى نحو 16 ألف مهاجر، أقل من نصفهم يهود. و300 ألف نسمة على الأقل ممن يحصون من السكان غير العرب، ونحو 160 ألفاً آخرين من مهاجري العمل، ليسوا يهوداً، والكثير منهم، بل والكثير من اليهود حسب الشريعة، لا توجد لهم صلة بالثقافة الإسرائيلية أو بالذاكرة الجماعية اليهودية أو بالقيم السائدة في المجتمع. وكما يقول الكاتب إن الخوف من الديموجرافيا العربية (أي تزايد أعداد العرب)، وليس أي دافع آخر، هو وحده الذي أدي بنا لأن نطبق قانون العودة على أُناس ليست لهم أي صلة بإسرائيل. وهكذا فقد أثرنا أيضاً حفيظة أولئك العرب الإسرائيليين المستعدين لأن يفهموا أن للدولة التي هم مواطنون لها خصائص تسمح لها بانتهاج نوع معين من التفرقة المؤقتة. فلو كنت أنا عربياً إسرائيلياً، لثرتُ أنا أيضاً على أن نجل قسيس من شرق أوروبا، أو مطلقة حفيدة يهودي من إثيوبيا -وكلاهما غير مضطهدين في بلديهما الأصليين- سيكونان مفضلين بكل معنى الكلمة. يجب أن تعمل الدولة أولاً وقبل كل شيء من أجل المجتمع الإسرائيلي، وهذا ينطوي على استقبال مهاجرين قادرين على الاندماج في المجتمع الإسرائيلي بنجاح. ويهوديتهم -مهما كان تعريفها -هي فقط أحد المتغيرات التي تنبئ بنجاح انخراطهم، وليس بالذات المتغير الأهم. قانون هجرة جديد، يشبه قوانين الهجرة في بلدان أخرى، يمكنه أن يسمح بهجرة وتجنس مهندسي برمجة هنود ينجحون في اختبار العبرية ومدى معرفتهم قوانين الدولة وعلى استعداد للإدلاء بقسم الولاء للدولة وقوانينها. أما إذا جاء روسي أو فرنسي يهودي من جانب جدته وليست لديه أي رغبة أو قدرة على الانضمام إلى الأمة الناشئة هنا، (فبأي معنى يمكن إعطاؤه الجنسية؟). مثل هذه القوانين للهجرة -حسب تصور الكاتب- لن تضعضع الميزان الديمغرافي بين اليهود والعرب، وذلك لأن كل المهاجرين تقريباً سينضمون إلى القسم اليهودي بين السكان وسيستوعبون فيه بالتدريج. وبالمقابل فإن عرباً قلة فقط سيتناسبون مع الصورة اللازمة للمهاجر، فيقسمون الولاء للدولة، لرموزها وقوانينها، ويوافقون على تحمل كل الواجبات المنبثقة عن هذا القسم، بما في ذلك واجب الخدمة في الجيش. والله أعلم.