يقولون إن نصف الشهادة كفر فمن حذف إلا الله واكتفى بقول أشهد أن لا إله، فإن شهادته هذه علامة كفر. عند البعض الأفكار غير قابلة للتجزئة ولو شُتّتَتْ فإنها ستخرج لنا صورة مشوهة وربما معاكسة للأصل، بعيداً عن الديمقراطية. بعض الدول العربية انضمت إلى الحزب الاشتراكي العالمي، لكنها تخيرت من الاشتراكية ما راق لها والنتيجة اشتراكية خرقاء زادت الطين بلة وغرق الناس في تخلف لا يعرفون متى هم خارجون منه، رغم أن الدول الأجنبية التي نجحت في تطبيق الاشتراكية، كان لها حظ من التقدم يشهد به العقلاء... لست هنا من دعاة الاشتراكية لكني أسوق المثال لتقريب الصورة. الديمقراطية الغربية قائمة على أصول وأركان كلما اهتز منها عمود سقط الناس في خلل من التخلف عظيم، فمن أركان الديمقراطية مثلاً الابتعاد عن الزعيم المهيب الأوحد الخالد الصامد الذي لا يزول ولا يحول، لذلك تحدد قواعد الديمقراطية الغربية المدة التي من حق الزعيم أن يبقاها في السلطة، في الدول العربية تأتي دائماً نتائج الديمقراطية كي تؤكد أن الناس جميعاً، وبصوت واحد، يهتفون بحياة الرئيس الخالد! والنتيجة، كما نرى، دول قطع التقدم عنها أميالاً حتى لا تفكر في اللحاق به. من قواعد الديمقراطية الرئيسية الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية، ومن العجيب أنه في الدول الديمقراطية نادراً ما نرى تطابقاً بين السلطة التشريعية والتنفيذية، ولو حصل ذلك في فترة انتخابية ما، فإن الدورة القادمة من الانتخابات تقلب الأوراق رأساً على عقب، والسبب أن السلطة التشريعية لها أكثر من دور، فهي تسن التشريعات وفي الوقت نفسه تراقب السلطة التنفيذية. لذلك مثلاً نسمع في الولايات المتحدة الأميركية بين فترة وأخرى جلسات استماع تعقد لكبار المسؤولين التنفيذيين كي يطمئنوا الشعب على مستقبله. في الدول التي أسقطت مثل هذا الفصل، نجد أموراً مضحكة فالرئيس الذي لا يعجبه القاضي الفيدرالي يجرده من صلاحياته حتى لا يبقى في القضاء من يجرؤ على محاكمة الناس بالقسط. وللعلم فإن وظائف القضاء الفيدرالي في الدول الديمقراطية، لا يستطيع الرئيس نزعها من القاضي كي يحكم وهو حر لأن مستقبله مؤمن عليه. ومن مصادر التخلف في الدول التي أسقطت هذا الفصل بين السلطات، أن الحزب الحاكم نفسه مكرر في السلطة التشريعية والقضائية، مما أخرج ديمقراطية تقود إلى التخلف أو السرقة. وفي السياق نفسه نجد في الدول الديمقراطية أن القوات المسلحة دورها تنفيذي فلا يخطر مثلاً على بال رئيس الوزراء البريطاني أنه في لحظة غيابه خارج لندن، قد يقوم قائد القوات المسلحة بـ"حركة تصحيحه" عبر انقلاب عسكري هدفه الحفاظ على توجه الحكومة. لذلك دعاؤنا الدائم للديمقراطية التركية التي يراقبها الجيش كي لا تخرج عن روح العلمانية التركية، فهل هناك منطق أو مستقبل للديمقراطية إذا استمر الوضع على ما هو عليه في تركيا؟ من أهم ركائز الديمقراطية الغربية حرية التعبير، والتي تقود إلى حرية إنشاء الأحزاب السياسية وفق منطلقات متعددة كما هو تعدد الرأي والفكر. ففي أوروبا وأميركا، هناك أحزاب لكل شيء يخطر أو لا يخطر على بال الإنسان، بما في ذلك الأحزاب الدينية والعلمانية وحتى الشيوعية لها حزب في أميركا الرأسمالية. هكذا تنتعش الحياة متى ما وجد القانون الذي يحترم الإنسان ويقدسه الأفراد، لأنه المرجعية التي يتحاكم بها ولها العقلاء في تلك الدول. أما في الدول العربية التي تطبق الديمقراطية، فالأحزاب محرمة أو محدودة بما يتماشى مع عقلية الرأي الواحد، وكما يقال لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. كان ما سبق عرضاً لأسباب فشل الديمقراطية العربية، والتي هي في تصوري بحاجة إلى مراجعة الأولويات؛ فالتنمية عند العربي اليوم أهم من الديمقراطية الزائفة، وما تحقق في دولة الإمارات، دون ديمقراطية غربية، شاهد على الأولويات التي تتبعها خطوات.