تناقلت الأنباء في الأسبوعين الأخيرين حدثاً دبلوماسياً في مدينة نيويورك أدى إلى توجيه احتجاج مصري رسمي لوزارة الخارجية الأميركية، وهو مؤشر على زيادة الجفاء في علاقات القاهرة- واشنطن، في وقت يحاول كل منهما إبقاء الاتصال الوثيق للتباحث فيما يتعلق بفكرة عقد مؤتمر الشرق الأوسط قبل انتهاء الخريف، أي أن هذه الحادثة الدبلوماسية لم تأت في وقتها بالمرة. ما هي خلفية الحادثة؟ وما مغزاها؟ الحادثة تبدو تافهة في ظاهرها؛ فحسب بعض الصحف العربية، فإن مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة -السفير ماجد عبدالعزيز- كان في عجلة من أمره، لكن تم منعه من عبور شارع رقم واحد الرئيسي بين مقر الأمم المتحدة ومقر البعثة الدبلوماسية المصرية، وقيل له إنه مُقيّد الاستعمال بالنسبة للعرب والمسلمين ولذلك يجب عليه استعمال الطريق الأطول والمرور من شارع رقم2. مصادر الإعلام الأميركي تتفق على أن السفير كان فعلاً في عجلة من أمره، وأنه مُنع من عبور الشارع، ثم حدث نقاش حاد بين السفير ورجل الأمن. لكن قراءة تفاصيل الحادثة تبين أن نقاط الخلاف أكثر بكثير من نقاط الاتفاق. إذ تقول المصادر الأميركية إن المنطقة التي كان يود السفير العبور منها كانت منطقة أمنية محظورة بسبب وجود الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في زيارة لإحدى الكنائس القريبة. ولذلك تم توجيه السفير وزميله من وزارة الخارجية المصرية إلى الشارع المجاور، لكنه بعد السير في نفس الشارع حاول إزاحة الساتر الحديدي وعبور الشارع من منطقة أخرى، وأوقفه رجل الأمن مرة أخرى ولم يعبأ بمكانته الدبلوماسية، فحدثت مشادة كلامية بين الاثنين، ويبدو أن رجل الأمن هدد باستخدام سلطاته في القبض عليه بعد أن شاهد بطاقته، ويبدو أنه ألمح بطريقة مهينة إلى اسمه العربي- الإسلامي، كما يبدو أن السفير لم يتمالك نفسه وبصق احتجاجاً على تصرف رجل الأمن. لكن المنظر في النهاية هو مجرد مشادة كلامية كالتي تحدث يومياً في شوارع أميركا وغيرها. ولم يكن الدبلوماسي سفيراً وذا مكانة كبيرة، لكانت الأمور تطورت وتم حجزه لعدة ساعات على الأقل. وأخيراً أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن رجل الأمن في نيويورك كان يزاول عمله المعتاد ولم يرتكب أية مخالفة. فما مغزى الحادثة إذن؟ 1- يجب البحث عن الحقيقة بكل دقة، فالمصادر المصرية والأميركية تعطي كل منها صورة مختلفة حول هذه الحادثة، ونحن في أشد الحاجة إلى تفاصيل الحقيقة العارية قبل الحكم على الأشياء، وبيان الحقيقة من أَوْلى مسؤوليات الإعلام في أي مكان. 2- ويرتبط بذلك التحقق من وقائع الحادثة بدقة؛ فالسفير يقول إنه رأى أحد المارة يعبر من نفس المكان الذي مُنع عليه العبور منه، ولذلك يجب طلب التحقيق لمعرفة ما إذا كان هناك تحيز أم لا. 3- هل كان السفير -رغم الاستفزاز- محقاً في الدخول في مشادة كلامية وحتى البصق، وكم أضاع من حقه إذا كان قد قام فعلاً بهذا السلوك؟ وهل هناك حاجة لتدريب بعض دبلومسيينا على السلوك الأمثل وقت الأزمات، سواء في أروقة المفاوضات، أو مع أجهزة الإعلام أو حتى في الشارع العادي مع مواطني الدول المختلفة؟ على العكس مما قد يحدث في بلادنا، هناك في بعض الدول الأخرى احترام للقانون ولحقوق المواطن، أكثر من مراعاة حقوق الدبلوماسي الأجنبي. 4- على الدول العربية والإسلامية أن تكون لها سياسة واضحة في حماية مواطنيها، دبلوماسيين كانوا أم لا. وألا يتم هذا عن طريق مظاهر غير حضارية، كالصياح والشتم والبصق، وإنما بطرق أكثر فعالية في حماية الحق والكرامة. وأهم أسس القانون الدولي في هذه الحالة هو مبدأ "المعاملة بالمثل"، والذي يعيد لصاحب كل حق حقه، بدلاً من أن نزاول "كرم الضيافة العربي" بطريقة مبالغ فيها، لمن يستحقه ومن لا يستحقه. ولعل امتيازات المواطنين الأجانب في بعض بلادنا -حتى من غير الدبلوماسيين- لخير دليل على ذلك، وهكذا يصبح حق المواطن العربي مهمشاً، خارج بلده وداخله أيضاً!