يؤكد مختصون في الشأن الاجتماعي والحضاري، وجود علاقة قوية بين الثقافة والمجتمع، إذ من الصعب فهم طبيعة وخصائص النظم ثقافية بعيداً عن الخصائص البنائية والوظيفية لمجتمعها. كما يتعذر فهم مجتمع معين، في بنائه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي والمعرفي، بعيداً عن ثقافته التي تمثله وتحدد شخصيته وهويته. وأهمية هذه العلاقة تبرز أيضاً بوضوح من خلال الدور الذي تلعبه الثقافة في المجتمع؛ كونها تمثل خط الدفاع الأول في المجتمع الذي يسبق الخطوط السياسية والعسكرية والاقتصادية ضد أي تدخل خارجي. لذلك نرى أن "مناحيم بيجن" رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، أعطى أهمية كبيرة لهذا الأمر خلال مفاوضات "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، فبعد توقيع الاتفاقية قال بيجن للرئيس السادات: "آن الأوان أن نوثق العلاقة فيما بيننا"، فقال السادات: "طبعاً سنتعاون في مجالات اقتصادية وسياسية وعسكرية"، لكن بيجن قال: "سيدي الرئيس، الأهم هو المجالات الثقافية"! لأنه يدرك تماماً أن الثقافة هي الانعكاس الحقيقي لصورة مجتمعها. وتعني كلمة ثقافة في معجم لسان العرب، الفطنة والذكاء، وقد وردت مادة "ثقف" في القرآن الكريم في قوله تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)، وفي قوله أيضاً: (فإما تثقفنهم في الحرب). وعلى كثرة التعريفات الخاصة بالثقافة واختلافاتها، فإن أقربها وأدقها هو تعريف تايلور الذي يرى أنها "كلٌ مركبُ يتضمن المعرفة والمعتقد والفن والأخلاق والقانون والتقاليد وأي قدرات أو مهارات يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في مجتمع". وقد عرفها المؤتمر الثقافي العربي الثاني (22/8/1957) بأنها "حصيلة معارف الأمة وآدابها وتقاليدها واتجاهاتها الروحية والفنية". الثقافة التي أريد التحدث عنها هنا هي الثقافة التي تمتزج بروح المجتمع وتحقق من خلالها هوية وطنية وقومية واضحة وقادرة على محاورة الآخر، وتمثل كلاً متماسكاً وقوياً لا تفعل فيه الأحداث ولا تهزه المحن ولا تجرفه التيارات، الثقافة التي تدفع المجتمع إلى العمل والابتكار والتجديد وتجعل إنتاجه الفكري قابلاً للتعميم، الثقافة التي تحمينا من التسلط الخارجي، وتقوي في داخلنا روح الإرادة والقوة والانتصار، لاسيما حين نواجه معركة حضارية شديدة الحدة وعولمة تهدد بطمس الهوية وانتزاع الجذور وترسيخ الهزيمة النفسية... لأنه بانقطاع الصلة مع روحنا الثقافية، أي المكون الديني واللغوي والتراثي في ثقافتنا، تسهل إذابتنا وإدماجنا في ثقافة الآخر. والأخطر هو أن نصبح عديمي الإحساس بما يهدد ثقافتنا، أي حين يظهر لدينا عرض "القابلية للاستعمار"، وبذلك يصبح موضوع "الاستلاب الحضاري" واقعاً فعلياً في مجتمعاتنا. إن التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وخلل التركيبة السكانية وانفتاح السوق التي يشهدها المجتمع الإماراتي... جعلت الكثير من المواطنين يفقدون شعورهم بالهوية، خاصة بعد أن أصبحت هيمنة التعليم الأجنبي واللغة الإنجليزية والثقافة الأجنبية والمصالح التجارية ولغة السوق والعديد من المؤثرات الخارجية، تطغى على موضوع الهوية الثقافية الوطنية. إن علاج هذا الأمر هو بالانتقال من حالة التأثر والاستسلام ورد الفعل إلى حالة الفعل والتأثير الواعيين، أعني أن نعمل على إعادة تقوية ثقافتنا المحلية بكل أبعادها، فهي تمثل خط الدفاع الأول ضد هذه المؤثرات، وأن نجعلها صناعة قادرة على المنافسة والتحدي، بعيداً عن الوقوع تحت تأثير الثقافات المستوردة والدخيلة، وذلك لكي تكون لديها القدرة على المنافسة. ونحن نملك من الخصائص المجتمعية التي لا تتوفر لكثير من المجتمعات؛ ومن ذلك العقيدة الإسلامية واللغة العربية؛ وهما ركيزتان بالغتا القوة. ولنقل مثلاً إن نشر اللغة العربية سوف يساعد على توظيفها لنشر ثقافتنا العربية وطريقة حياتنا وتصدير كل ذلك إلى دول العالم.