الكتاب الذي نعرضه في المساحة التالية، للمؤلفة الأميركية "سوزان فالودي"، والمعروفة بدفاعها عن حقوق المرأة ووقوفها إلى جانب المهمشين في المجتمع الأميركي، عنوانه "حلم الإرهاب: الخوف والوهم في أميركا ما بعد 11 سبتمبر". يتناول الكتاب هجمات 11 سبتمبر التي هزت أميركا في عام 2001، عبر مقاربة مغايرة في التعاطي مع ذلك الهجوم الإرهابي. فخلافاً للأكاديميين والباحثين الذين وضعوا الحادثة على بساط التشريح السياسي واكتفوا بسرد الوقائع المادية، كما تبدت للعالم أجمع، تغوص "سوزان فالودي" إلى أعماق المجتمع الأميركي وفي أساطيره المؤسسة، لتلقي الضوء على هجمات 11 سبتمبر من وجهة نظر ثقافية واجتماعية. وبعيداً عن التداعيات الاقتصادية والسياسية التي تطرق إليها كثير من الباحثين والكتاب، تركز المؤلفة انتباهها على التوابع الثقافية والاجتماعية لزلزال 2001، لتكشف من خلال رصدها لتلك التداعيات، أهم الأساطير المشكّلة للوعي الأميركي من جهة، وظاهرة الاحتماء بالتقاليد والموروث القيمي في أوقات الأزمات من جهة أخرى. فقد لاحظت "فالودي" خلال الأسابيع التي أعقبت الهجمات ردود أفعال بعينها تتكرر في وسائل الإعلام المختلفة، بعد أن خصصت لها حيزاً كبيراً وأفردت لها مساحة واسعة، وهي ردود تثير الحرج عادة في مجتمع تقدمي. ومن بين كل تلك الردود والاستجابات التي طغت على التعاطي الإعلامي مع هجمات 11 سبتمبر كان لافتاً، في رأي الكاتبة، ذلك الهجوم على الحركة النسائية في أميركا، بل على النساء عموماً. فحسب بعض المنابر والآراء باتت استقلالية المرأة أحد الأسباب الكامنة وراء عجز أميركا عن حماية نفسها لتتعالى دعوات تنادي بإخراس المرأة وإعادة توزيع الأدوار بين الجنسين في المجتمع. ولا تتردد الكاتبة في الاستشهاد بأقوال المعلقين والإعلاميين التي تناقلتها الصحف غداة هجمات 11 سبتمبر، مثل تصريح المؤرخ العسكري "مارتن فان كريفلد" الذي قال "إن أحد أهم الخاسرين هو الحركة النسائية التي تقوم أساساً على اعتقاد خاطئ مفاده أن المرأة قادرة على الدفاع عن نفسها مثل الرجل". لكن حتى قبل هجمات 11 سبتمبر كانت الأوساط المحافظة في أميركا تسعى إلى الانقضاض على حقوق النساء والرجوع بها إلى ماض ولى ولم يعد قائماً. وليست هجمات نيويورك في الواقع سوى العامل المساعد الذي أيقظ مشاعر كامنة لدى العديد من الأميركيين المحافظين وحفز هجومهم على الدور الاجتماعي للمرأة والمكتسبات التي ترسخت طيلة سنوات من النضال والتحرر. ويبدو أن الرجة العنيفة التي أحدثتها هجمات 11 سبتمبر أطلقت العنان للمحافظين ومنحتهم غطاءً من الشرعية لانتقاد الفكر التقدمي عموماً والحركة النسائية على وجه الخصوص. والسبب في هذا الهجوم غير المبرر على الدور الاجتماعي للنساء، حسب المؤلفة، يكمن في ذلك التصور الذي برز بعد الهجمات ويتهم أفكار الحركة النسائية، المدافعة عن السلام والمناوئة للمجتمع الذكوري الذي يفصل بين الجنسين ويسعى إلى تكريس علاقات السلطة المختلفة... بأنها "تؤنث" المجتمع وتفقده القوة الضاربة التي بها يستطيع مواجهة الأخطار. وهكذا يعتبر المحافظون في ردة فعلهم التي تلت الهجمات أن المجتمع تعرض لعملية "إخصاء" تدريجية حرمته من استعداده الطبيعي لمواجهة الأخطار. وليس غريباً في ظل هذه الأجواء المتشنجة أن يتم الاحتفاء بثقافة العنف وبالتقاليد الأميركية القديمة المرتبطة بحيازة السلاح وتمجيده باعتبار أن الوقت قد حان لخلع منظومة الفكر النسائي وارتداء معطف المجتمع الرجولي! وتوثق الكاتبة عبثية وسائل الإعلام التي انخرطت في هذه الموجة وفتحت منابرها للمدافعين عن قيم الذكورة المتسلطة وتحجيم دور المرأة، مشيرة إلى حالات نساء عاملات في وظائف مرموقة فضلن العودة إلى البيت والبقاء فيه تاركات المجال للرجال في أوقات الحرب والأزمات. وينتقد المحافظون الحالة الراهنة للمجتمع الأميركي الذي يرون أنه أصبح ضعيفاً بسبب الكم الهائل من "الاستشاريين" الذين يقترحون "الحلول العلاجية والنفسية" للتقليل من العنف الذكوري. والحال حسب هؤلاء أن المجتمع في حاجة إلى العنف والقيم الذكورية لأنها الأصلح والأكثر قدرة على التصدي للأخطار والنهوض بالتحديات الأمنية. وتفسر المؤلفة هذا الارتداد إلى الوراء والنكوص عن مكتسبات أصبحت راسخة في الحياة الأميركية، بتلك الأساطير المؤسسة للثقافة الأميركية وترجع إلى بداية تشكل الولايات المتحدة وما رافق هذا التشكل من دموية وعنف. وتشير الكاتبة بالخصوص إلى تلك القصص والحكايات التي تمجد دور الرجل في الذود عن المرأة في المستوطنات الأميركية الأولى وإنقاذ شرفها من عبث الهنود الحمر في الغرب، أو من السود في الجنوب. لكن القصص ليست في الواقع سوى تلفيق ومحاولة لمداراة الفشل في تلافي كثير من المآسي التي شهدت اختطاف النساء خلال القرن التاسع عشر، لاسيما أن التاريخ الأميركي حافل بقصص توثق إخفاق المجتمع والسلطة في حماية المرأة. هذا الفشل هو ما يفسر في نظر المؤلفة المبالغة في تصوير مظاهر البطولة الرجولية كنوع من التعويض، وهو ما يفسر أيضا الدعوات الحالية إلى تغيير الدور الاجتماعي للمرأة وبقائها خلف الرجل. وهنا تضرب المؤلفة مثالاً على ذلك في قصة المجندة الأميركية "جيسكا لينتش" التي أسرت في العراق. وبدلاً من نقل الحقائق، راح الإعلام الأميركي يضخم من الحادثة والترويج لإشاعات ثبت خطؤها لاحقاً، وهي تعرض المجندة للتعذيب والاغتصاب. والحال أنها كانت تتلقى الرعاية الصحية في أحد المستشفيات العراقية بعدما تعرضت للإصابة. والهدف من وراء ذلك هو إحياء الدور المتقادم للرجل باعتباره المنقذ، ومن ثم الأجدر بالحظوة على حساب المرأة. زهير الكساب الكتاب: حلم الإرهاب: الخوف والوهم في أميركا ما بعد 11 سبتمبر المؤلفة: سوزان فالودي الناشر: ميتروبوليتان بوكس تاريخ النشر: 2007