أثار فوز نائب الرئيس الأميركي السابق آل جور بجائزة "نوبل" لدفاعه عن المناخ العالمي نكات كثيرة، لعل أفضلها التالية: سأله صديق لماذا ينادي زوجته بعبارات "عزيزتي"... "حبيبتي"... رغم مرور ثلاثين عاماً على زواجهما؟ أجاب آل جور: "أنسى اسمها"!.. هذه النكتة أقل قسوة من حكم المحكمة العليا البريطانية على الفيلم الوثائقي لآل جور عن المناخ العالمي. وكان الفيلم الذي يحمل عنوان "الحقيقة المزعجة" قد نال جائزة "الأوسكار" مطلع العام الجاري. و"هوليوود"، حسب الممثل الكوميدي تشارلي شابلن "مستشفى مجانين استولى على مقاليد الحكم فيها المجانين". فالمحكمة البريطانية لم تجد أي دليل "على ادّعاء الفيلم أن الجزر المرجانية المنخفضة المأهولة في المحيط الهادئ قد غمرتها المياه بسبب الاحترار العالمي، الناجم عن النشاطات البشرية". ولا صحة لادعاء الفيلم أن "الاحترار العالمي أغلق الحزام الناقل في المحيطات، والذي يحمل تيارات الخليج من أعالي المحيط الأطلسي إلى أوروبا الغربية". وقد استبعدت حدوث ذلك حتى "الهيئة الدولية لتغير المناخ" التي نالت "نوبل" مناصفة مع آل جور. ولم تجد المحكمة البريطانية التي نظرت في الموضوع، بناءً على دعوى مدير مدرسة ثانوية ضد إدخال الفيلم ضمن المقرر الدراسي، أي دليل على ادعاء جور "أن ثلوج الجبال تذوب بسبب تغير المناخ العالمي نتيجة للنشاطات البشرية". وأنكرت صحة الادعاء بأن جفاف بحيرة "تشاد" في أفريقيا مثال على "الاحترار العالمي"، ورّجحت "حدوث الجفاف نتيجة للازدياد السكاني، والإفراط في رعي الماشية، والتقلبات المناخية المحلية". وشككت المحكمة بادّعاء جور غرق دببة قطبية بسبب عومها مسافات طويلة بحثاً عن الثلوج، وذكرت أن عاصفة ثلجية أغرقتها. ورغم تسليم المحكمة باحتمال أن يطلق ذوبان الجليد كميات كبيرة من المياه ترفع مستوى البحار 20 قدماً، إلاّ أنها نفت إمكانية حدوث ذلك "قبل أكثر من ألف عام". وحكم المحكمة البريطانية أكثر رأفة بما لا يُقاس من إدانة الرأي العام العالمي المناهض لواشنطن. فقائمة الاتهامات ضد آل جور تراوح ما بين اعتباره مجرم حرب، ومليونيرا منافقا مسؤولا عن الاحترار العالمي. بعض المعلقين حمّلوه مسؤولية وفاة مليون طفل عراقي ماتوا بسبب الحظر الذي كان مفروضاً على العراق خلال ثماني سنوات من توليه منصب نائب الرئيس السابق بيل كلينتون، فيما ذكر آخرون أنه جمع ثروات تقدر بمائة مليون دولار، ويسكن في منزل باذخ يتكون من 20 غرفه يكلف تكييفها الكثير من الطاقة، والتي تزيد في الاحترار العالمي. وصادف صدور حكم المحكمة البريطانية قبل ثلاثة أيام من إعلان هيئة "نوبل" للسلام منح الجائزة، ويصعب معرفة سبب التمسك بالقرار. فالهيئة تضم زعماء سياسيين من النرويج، تتراوح أعمارهم ما بين الكهولة والشيخوخة. ويقول المثل "في الكهولة ينسى الشخص إغلاق فتحة بنطلونه، وفي الشيخوخة ينسى فتحها"! هذا هو التفسير الوحيد "المعقول" لإغفال حقيقة أن "نوبل" للسلام في البيئة يستحقها علماء البيئة، وفي مقدمة المرشحين لها أربعة علماء عرب، كرسوا حياتهم لدراسة البيئة ووضع أهم البرامج الدولية لحمايتها. وأول هؤلاء هو العالم المصري مصطفى كمال طُلبه الذي يطابق، أكثر من أي شخص آخر، متطلبات الجائزة في "القيام بنفسه بأكبر عمل لإيجاد أكبر فهم للإجراءات المطلوب اتخاذها لحماية البيئة". اشتهر مصطفى طُلبه باسم "المستر بيئة" Mr. Environment، فهو المؤسس الفعلي لـ"برنامج الأمم المتحدة للبيئة" في سبعينيات القرن الماضي، ومديره فترة عشرين عاما تقريباً. وساهم طُلبه في تطوير أطروحات "حماية المناخ" و"صيانة البيئة" و"التنمية المستدامة"، وفي تنظيم "القمة العالمية للبيئة والتنمية" عام 1992 في ريودي جانيرو بالبرازيل، والتي حضرها نحو 150 من رؤساء الدول والحكومات. ويرتبط اسم العالم العربي بإنشاء أول المعاهدات في التاريخ لحماية البيئة، وهي "معاهدة مونتريال لحماية غلاف الأوزون الجوي"، و"معاهدة بازل للسيطرة على حركة النفايات والمواد الخطرة"، و"اتفاق حماية الموارد البحرية من التلوث البري". مع ذلك تساءل طلبه في حديثي معه المنشور على الصفحة الأولى في صحيفة "الحياة" عشية عقد مؤتمر ريودي جانيرو: "ما قيمة هذه المعاهدات من دون إجراءات وأجهزة للتفتيش والتحقق من التزام الحكومات الموقعة... وهل تساوي، من دون أدوات قانونية لتنفيذها، خسارة الشجرة التي صُنع من خشبها ورق المعاهدة"؟! وما الجائزة العالمية التي تستحق أن تُمنح للعالم اللبناني مصطفى شاهين الذي قد يكون بين أول من يعلم بوقوع أخطر حدثين يهددان العالم: انهيار مناخ الكوكب الأرضي، أو غزو سكان الفضاء؟ فشاهين جمع خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين بين رئاسة أهم هيئتين تدرسان الأرض والفضاء: "مختبر الدفع النفاث" في "وكالة الفضاء الأميركية" (ناسا)، والمسؤول عن جميع المركبات غير المأهولة لاستكشاف الكرة الأرضية والكون، ومنظمة "جيوكس" GEWEX وهي أعلى هيئة دولية لدراسة دورة الطاقة والمياه في الكوكب الأرضي. وصمم شاهين المسبار الفضائي لرصد دورة المياه في الطبيعة، وأشرف على إطلاقه عام 2002. ومَنْ ينافس العالم المصري محمد العشري في وضع البرامج العملية للحماية من كوارث تغير المناخ العالمي؟ فهو الرئيس السابق لـ"دائرة البيئة" في "البنك الدولي"، ومؤسس "مرفق البيئة العالمي" المسؤول عن استثمار مليارات الدولارات في برامج البيئة في البلدان النامية، ومتابعة تنفيذ المعاهدات والاتفاقات الدولية الخاصة بها. ويُعتبر العشري رائداً في إدخال برامج البيئة في خطط التنمية التي يموّلها "البنك الدولي" والمؤسسات المالية العالمية الأخرى. ويصعب للأسف معرفة رأي العالم العراقي فخري البزاز في منح "نوبل" لآل جور الذي أعلن تبنيه آراء البزاز عند انتخابه لرئاسة الوفد الأميركي لمؤتمر ريودي جانيرو. فالبزاز كان قد أصيب بعد حرب عام 1991 بنوبة قلبية شفي منها بمعجزة، وعاد إلى شغل كرسي أستاذ علم الأحياء في جامعة هارفرد، واستأنف أبحاثه حول تأثير غاز ثاني أوكسيد الكربون على الزراعة والنباتات. وانتخب البزاز لعضوية "أكاديمية العلوم والفنون الأميركية"، ونشر في يناير عام 1992 دراسة مهمة في مجلة "ساينتفيك أميركان" قال فيها: "حتى إذا لم يؤد تراكم غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو إلى رفع الحرارة العالمية، فإن الاستمرار في إطلاق هذا الغاز سيؤثر في النباتات، وهي أساس الحياة على الأرض". وعاد البزاز للإدلاء بشهاداته أمام البرلمان الألماني "البوندستاغ"، وأمام "الكونجرس" الأميركي، حول الغطاء الشجري للكرة الأرضية، والذي يشكل منافذ لتصريف الغازات المنبعثة عن حرق وقود الفحم والغاز والنفط. ومُنح عام 1996 جائزة "هامبولد" الألمانية، وبعد غزو العراق عام 2003 أصيب بمرض غامض أفقده النطق، ولم يشف منه لحد الآن. ولا ينسى المساهمون في مؤتمر "المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا" في جامعة الشارقة عام 2002 كيف استهل البزاز، والذي تصوروه لا يعرف العربية، كلمته ببيت الشعر المشهور: "قِفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ... بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ"!