بينما يبحث البيت الأبيض والبنتاجون عن إمكانية الحرب على إيران، من المفيد تذكر رد الرئيس "أبراهام لينكولن" على وزيره في الخارجية: "حرب واحدة فقط في وقت واحد، يا سيد سيوارد". في 2001، شنت الولايات المتحدة حرباً مبررة على أسامة بن لادن في أفغانستان. وبعد ذلك بعامين، شنت إدارة بوش حرباً مشبوهة على العراق. غير أن أياً من الحربين لم تنته إلى الانتصار، وكلتاهما مازالتا مستمرتين إلى اليوم. وفي ظل تواصل هاتين الحربين، لنا أن نتساءل: لماذا التفكير في ثلاث حروب في وقت واحد؟ لم يعد من المرجح، على ما يبدو، أن يُحدث قصف إيران النتائجَ الإيجابية في جنوب غرب آسيا تماماً مثلما لم يتمخض قصف نيكسون-كيسنجر القوي لهانوي عن نصر في فيتنام. ثم إن الضربات الجراحية للعراق بعد حرب الخليج الأولى لم تتمكن من إسقاط صدام حسين؛ وتطلب هذا الهدف غزواً عسكرياً أميركياً شاملاً في 2003. وعلاوة على ذلك، فإذا كان من الواضح، على ما يبدو، أن حرباً أميركية مع إيران تصب في مصلحة إسرائيل، فإن الأمر ليس كذلك بالضرورة. وقد يحب بعضهم في السعودية رؤية إيران مندحرة على يد القوات الأميركية؛ ولكن على الولايات المتحدة ألا تخوض حروبا بالوكالة نيابة عن السعودية أو إسرائيل؛ هذا ناهيك عن أن احتمالَ أن يجلب هجومٌ أميركي على إيران أمناً أكبر لهذين البلدين أمرٌ غير مؤكد. تاريخياً، ينظر الإيرانيون إلى بلادهم باعتبارها إحدى القوتين العسكريتين الآسيويتين العظميين (القوة الأخرى هي الصين). والأرجح أن إطلاق بضعة صواريخ أو قصف محطات تخصيب اليورانيوم لن يؤدي سوى إلى تأجيج طموحات إيران التاريخية والتي تريد من خلالها أن تصبح قوة إقليمية. وكنت قد تكلمت مع أحد المواطنين الإيرانيين في طهران قبل خمس سنوات، فعبر لي عن إعجابه الكبير بالولايات المتحدة، ولكنه شدد بقوة على حق بلاده في امتلاك أسلحة نووية باعتبارها مسألة كبرياء قومي، إذ قال: في النهاية "الباكستانيون والإسرائيليون لديهم هذه الأسلحة". والواقع أن كلا من موسكو وواشنطن ارتكبتا الخطأين السياسيين نفسيهما في جنوب غرب آسيا في السنوات الثلاثين الماضية حين حاولتا احتلال بلدين إسلاميين وإعادة تشكيل المجتمعات العربية القبلية وفق إيديولوجيتهما الغربية. فقد أساءت كلتاهما تقدير التأثير القوي للدين على المسلمين، متوقعتين إقبال الأفغان والعراقيين على الشيوعية العلمانية أو الديمقراطية الغربية. ففشل الروس، بينما لا تبدو حظوظ الولايات المتحدة أفضل. ولعل أكثر الأخطاء فداحة التي يرتكبها راسمو السياسات الأميركية تتمثل في اعتقادهم بأنه حالما تبدأ الحرب، فإنه بالإمكان توقع النتيجة. ولكن، مَن استطاع، مِن بين أعضاء اللجنة السياسية والتنفيذية للحزب الشيوعي السوفييتي في 1979، التنبؤ بأن المغامرة العسكرية السوفييتية في أفغانستان ستصبح عاملاً رئيسياً في انهيار الاتحاد السوفييتي؟ الحقيقة أن الفضل الكامل في انهيار الاتحاد السوفييتي بعد هزيمة موسكو هناك يعود إلى بن لادن وجزء كبير من العالم الإسلامي. وعليه، فإن الحروب لا تنتهي بكل بساطة على النحو الذي يتوقعه بادئوها. فحرب العراق مثلاً كان يفترض أن تكون سريعة ونظيفة، والعراقيون كان يفترض أن يرحبوا بمحرريهم الأميركيين، مثلما قيل لنا، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث. أما حركة "طالبان"، التي تمت تنحيتها في 2001، فقد نهضت من جديد مثلما تنهض العنقاء من رمادها. على الرئيس بوش أن يتقبل فكرة أن الحرب مع إيران ليست خياراً، ويدرك أن الإشراك البنّاء جهد يستغرق عقوداً. صحيح أن ذلك قد لن يمنع إيران من صنع قنبلة، إلا أن الثابت تاريخياً هو أن الدول التي تنضم إلى النادي النووي -الهند وباكستان والصين- تميل إلى التصرف المسؤول. ثانياً، نظرا للوقت القصير الذي تبقى لبوش في البيت الأبيض، من المسلمات أن مشكلة واشنطن مع طهران لن تُحل أثناء ولاية بوش، بالقصف أو من دون قصف. ثالثاً، على البيت الأبيض أن يتذكر الإحباطات الكبيرة التي كان يصاب بها أثناء سعيه إلى إشراك السوفييت خلال السنوات الخمس والعشرين التي تلت الحرب العالمية الثانية. فقد حاول ستالين استفزاز الولايات المتحدة في كوريا وبرلين وغيرهما، غير أن عقوداً من الصبر من قبل الرؤساء والدبلوماسيين الأميركيين أدت إلى إشراك الروس تدريجيا، وتم على مدى أربعة عقود إزالة فتيل الحرب الباردة. فقد عايش الرؤساء ترومان وإيزنهاور وكينيدي وجونسون ونيكسون وفورد وكارتر وريجان جميعهم الشيوعية وتعاطوا معها. ثم إن العظمة في كثير من الحالات، في عالمنا المعاصر، هي نتيجة لضبط النفس الحكيم والردود المدروسة والمتزنة مثل العقوبات الاقتصادية. ولهذا، فإن ضبط النفس في مواجهة إيران، إضافة إلى محاولة إشراكها، يمكن أن تكون أعظم تركة لبوش في السياسة الخارجية. لا أحد اليوم يستطيع التنبؤ بنطاق الحرب، التي قد تندلع في حال شنت الولايات المتحدة هجمات على أهداف إيرانية، ناهيك عن فترتها أو تكلفتها. ولا أدل على سخافة التفكير في أن الحرب مع إيران قد تحل الأزمة مما قاله صديق إيراني: "في العراق، تحب القيادة السياسية الأميركيين، غير أن الشعب العراقي قتل ما يقارب 4000 جندي أميركي؛ في حين أن القيادة السياسية في إيران تكره الأميركيين، غير أن الشعب بصفة عامة يحبهم". هذه هي المفارقة التي على إدارة بوش أن تعيها وتأخذها بعين الاعتبار في وقت تدعو فيه البنتاجون –حسبما يقال- إلى وضع مخطط لمحاربة إيران. ثم إن من بين العواقب المحزنة التي قد تنجم عن القصف التفاف الشعب الإيراني حول قيادته، ما سيقوي الدعم الشعبي لنظامٍ لا يتمتع بالشعبية. بل إننا نكاد نسمع زعامة "المحافظين الجدد" في إيران يقولون: "رجاء، افعلوها". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والتر روجرز مراسل دولي سابق لقناة "سي. إن. إن" الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"