هل حدث أن استيقظت في وقت متأخر من الليل لتفاجأ بضوء أخضر وأحياناً يميل إلى الزرقة يلف منزلك، وذلك على رغم تأكدك من إطفاء جميع الأضواء قبل الخلود إلى النوم؟ وبالطبع ليس مصدر الضوء شبح جاء ليستوطن المنزل، بل ينبعث الضوء على الأرجح من مجموعة الأزرار الصغيرة والمصابيح الدقيقة المتواجدة بكثرة في المعدات الإلكترونية الحديثة. هذه الأزرار تشير في الغالب إلى أن الآلة تركت على أهبة الاستعداد( Standby) للتشغيل مرة أخرى، ولم تُطفأ تماماً. وحتى لو لم تستخدم تلك الأجهزة، سواء جهاز كمبيوتر أو جهاز تلفاز، لفترة طويلة ستظل المصابيح الصغيرة تبعث بضوئها الخافت معلنة عن حضورها، لا سيما في الليل عندما يلف الظلام أركان البيت. والمعروف أن أغلب الأدوات الإلكترونية الحديثة تأتي مزودة بأزرار تدل على أن الجهاز "نائم"، أو في حالة كمون دون أن يكون قد سحب منها التيار الكهربائي فعلاً. وقد ارتأت شركات التصنيع تزويد منتجاتها بتلك الخاصية، لا سيما في أجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفزيون، لتجنب تضييع المزيد من الوقت أثناء تشغيل الأجهزة التي غالباً ما تستغرق بضع دقائق قبل ظهور الصورة، أو تنزيل برنامج التشغيل في حالة أجهزة الكمبيوتر. وفي الحالات التي ينبعث فيها الضوء الخافت من الأجهزة الإلكترونية، فإن ذلك علامة على أن الجهاز مازال يعمل مع تقليص لنشاطه، ما يعني استهلاكاً أقل للطاقة. وإذا كان وضع الأجهزة، وهي في حالة استعداد يساعد على ترشيد الطاقة وربح الوقت عند التشغيل، إلا أنه مع الملايين من الأجهزة التي تظل مشتغلة ولو بدرجة نشاط أقل طيلة اليوم يتضاعف حجم الطاقة الذي يضيع ليصل إلى مستويات كبيرة. ومع ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في سوق الطاقة العالمي، وازدياد ظاهرة التغيرات المناخية بسبب الإفراط في استهلاك الوقود الأحفوري لم يعد من الممكن التسامح مع تلك الممارسات. والواقع أن الخطأ لا يكمن في المصابيح الصغيرة التي تزين الأجهزة الإلكترونية لأنها في حد ذاتها ليست سوى ابتكارات جديدة، بل يكمن الخطر في انتشار الأدوات التي تستمر في استهلاك الطاقة حتى والجهاز غير مشغل. وهكذا لا يكتفي نموذج جديد لإحدى ماكينات الحلاقة بزر واحد ينبعث منه الضوء، لكنه يضيف أزراراً أخرى؛ اثنان منها يبعثان لوناً أخضر، بينما يبعث الثالث لوناً أزرق. ولا يقتصر الأمر على ماكينة الحلاقة، بل يمتد أيضاً إلى باقي الأجهزة المكتبية. وما عليك للتأكد من ذلك سوى حصر الأضواء المنبعثة من مكتبك في المنزل وتحديد مصدرها لتجد أن أجهزة "المودم" الجديدة التي تنقل الإنترنت إلى جهاز الكمبيوتر تضم ستة أزرار صغيرة، خمسة منها تظل مشتعلة حتى والجهاز موصول بالكهرباء. ولا ننسى أيضاً الطابعة وجهاز الفاكس الذي يتعين بقاؤه مشتغلاً لتلقي رسائل الفاكس، بالإضافة طبعاً إلى جهاز الكمبيوتر الذي تتوزع حوله الأزرار الصغيرة المضيئة المستهلكة للطاقة، مع الإشارة أيضاً إلى جهاز الراديو والأدوات الإلكترونية الأخرى التي يحفل بها المطبخ. وليس غريباً في ظل هذا الاجتياح للأزرار الصغيرة ودورها المتزايد في استهلاك الكهرباء حتى في حالة عدم تشغيل الأجهزة أن يتصاعد القلق إزاءها. وقد عبر عن هذا التخوف وزير البيئة البريطاني الذي أعلن في العام 2005 أن الأدوات الإلكترونية التي تترك في حالة استعداد تستهلك ما يقارب من 800 ألف طن من الكربون في السنة الذي يقتصر فقط على ستين مليونا من البريطانيين، فما بالك بأضعاف ذلك في الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار أعلنت وزارة الطاقة الأميركية بأنه بحلول 2010 ستصل قيمة فاتورة المستهلك الأميركي من الأجهزة في حالة استعداد إلى 20% من إجمالي فاتورة الطاقة. وقد كتب الصحفي "ستيف دو" من صحيفة "سيدني مورنينج هيرالد" الأسترالية واصفاً تلك الأضواء الصغيرة "إنها شبيهة بوحوش ملتهبة العيون تمتص في صمت الكهرباء المتسربة عبر الأسلاك كما يمتص العنكبوت دماء الفريسة". وللتأكد من الأمر استضاف "ستيف دو" خبيراً في منزله لتقييم استهلاكه للطاقة في الفترة التي تكون فيها الأجهزة الإلكترونية في حالة استعداد Standby فاكتشف أنه بإمكاننا خفض 10% من إجمالي استهلاكنا للطاقة إذا ما أطفئت الأجهزة فعليا. وبخفض 10% من نسبة الاستهلاك في كاليفورنيا التي تصل إلى 254 ميجاوات في الساعة، فإننا نكون قد وفرنا ما تستهلكه ولايات داكوتا وفرمونت وألاسكا ورود أيلاند مجتمعة. وفي 2006 اتخذت ولاية كاليفورنيا إجراءات للحد من ترك الأجهزة الإلكترونية في حالة استعداد، لكن الخطوة الأهم تبقى عندما يقتنع المستهلكون بأنه من الأفضل استبدال سهولة استخدام الأجهزة وتشغيلها بترشيد الطاقة. وورين سويل كاتب أميركي متخصص في شؤون الطاقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"