يستحيل على المرء وهو يرى "آل غور" يتقاسم جائزة نوبل للسلام عن جدارة واستحقاق ألا يلحظ ذلك الاختلاف بين نوعية قيادته وقيادة جورج بوش. فكل واحد منهما واجه اختباراً عصيباً. وبالنسبة لغور تمثل ذلك الامتحان في حصوله على أغلبية الأصوات الشعبية في انتخابات عام 2000 أمام جورج بوش ثم حرمانه من الفوز بقرار من المحكمة العليا التي كان يسيطر عليها "الجمهوريون" آنذاك. أما الاختبار العصيب الذي مر به بوش فتمثل في الهجوم المباغت والصاعق الذي شنه الإرهابيون على أميركا في الحادي عشر من سبتمبر. ورغم أن غور فقد فرصته في الفوز بمنصب الرئاسة آنذاك، فإن الأسلوب المتسم بالكرامة واللباقة الذي تخلى به عن معركته القانونية من أجل استرداد حقه، ساهم في توحيد أميركا. وبعد ذلك، وعندما وجد الرجل نفسه مواجهاً بسؤال: ما الذي سيفعله بحياته بعد ذلك؟ قرر أن يشرع في حملة شخصية من أجل محاربة التغير المناخي، رغم أن حجم العقبات الذي يواجهه كان كبيراً... ورغم أن منابر التعبير المتاحة أمامه كانت محدودة... ورغم أن جمهوره لم يكن يزيد عن المئات، وأن عدد نقاده كان لا يُحصى، فإن الرجل ثابر، وواصل حملته، وأصبح مع مرور الأيام يلعب دوراً مركزياً في بناء إجماع عالمي، حول ضرورة العمل من أجل اتخاذ إجراءات فعالة بشأن هذا الموضوع. أما بوش... فرغم أنه فاز في الانتخابات الرئاسية عام 2000، إلا أنه لم يعرف ما الذي يجب أن يفعله بهذا الفوز. فعندما وقع هجوم الحادي عشر من سبتمبر، ووجدت الولايات المتحدة والعالم نفسيهما أمام خطر مشترك، هو خطر "القاعدة" والإرهاب، فإن العالم بأسره كان مستعداً للوقوف وراءه، ولكن الذي حدث المرة بعد المرة أنه اتخذ من الإجراءات والسياسات ما ساهم في تقسيمنا سواء في الداخل أو في الخارج. فبدلاً من أن يوظف بوش تلك الوحدة التي كانت قائمة من ورائه، لبناء أميركا وإعدادها للقرن الحادي والعشرين، فإنه وظفها من أجل دفع أجندة ضيقة وتبنى أجندة اليمين المتطرف بشأن الضرائب والقضايا الاجتماعية. لم يحدث من قبل في تاريخنا أن تم استغلال مثل هذا القدر من الوحدة الوطنية من أجل تحقيق نتائج على هذا القدر من الضآلة، مثلما فعل جورج بوش. ولا شك أن الملاحظة الأساسية التي سيلاحظها المؤرخون عن سنوات بوش في السلطة هي أنه الرجل الذي شهد عهده إضاعة فرصة كبيرة قد لا تتكرر ثانية. هذه الفرصة هي إقامة ديمقراطية في العراق. فرغم أنه كان معروفا دوما أن المسألة العراقية ستشكل صعوبة هائلة بالنسبة للولايات المتحدة، إلا أن المحصلة المحتملة لانغماس أميركا فيها والتي كانت تتمثل في إمكانية إقامة حكومة لائقة متحولة ديمقراطياً في قلب العالم العربي، كانت محصلة هائلة هي الأخرى. ولكن الذي حدث أن بوش في موضوعه المميز، أو الموضوع الذي يميز فترة حكمه وهو حرب العراق، لم يقم أبداً بتعبئة الدولة، كما لم يقم أبداً بمعاقبة غير الأكفاء، ولم يقم بإتباع سياسة للطاقة يقلص بها من موارد الناس الذين كنا نحاربهم، واعتقد دائماً أنه قادر على تغيير العالم ولم يستطع بالطبع. كان آل غور على النقيض من ذلك. فبدون الإمكانيات الهائلة التي توفرها الرئاسة، تمكن هذا الرجل من استخدام كافة الأدوات المعاصرة للاتصال، مثل الإنترنت والفيديو وغيرهما من ثمار العولمة، من أجل التواصل مع الجميع. واستطاع بمهارته استقطاب حركة عالمية في الوقت الذي حصل فيه بوش، كما يقول "ديفيد روثكوبف" في كتابه الجديد "الطبقة الخارقة: نخبة السلطة العولمية والعالم الذي تعكف على صنعه"، على "أكبر منصة في العالم، ومع ذلك حفر لنفسه قبراً سياسياً فيها". إن بوش قد أصبح الآن قوة مستنزفة، كما أن آل غور كما هو ظاهر أمامنا لا ينوي ترشيح نفسه للرئاسة، ولكننا نظل مع ذلك في حاجة إلى رئيس لدية القدرة على توحيد البلاد حول عمل ذي معنى بشأن الطاقة والمناخ. ورغم أن معظم المرشحين "الديمقراطيين" يرددون نفس الكلمات تقريباً حول هذين الموضوعين، إلا أنني شخصياً لا أحس بأن هذه الكلمات صادرة عن مشاعر حقيقية. أما "الجمهوريون" فهم يبدون وكأنهم قد أصيبوا بسكتة دماغية بشأن تحدي الطاقة والتغير المناخي، لدرجة أنني في كثير من الأوقات أشعر بالدهشة البالغة من المواقف الخاطئة تماماً التي يتبناها بعض المحافظين من شاكلة "روش لمباو حول تلك الموضوعات. والذي يدهشني تحديداً أنهم غير قادرين على رؤية الخطر الذي يحدق في وجوهنا، والذي يدفع الشركات الأميركية دفعاً إلى ضرورة العمل فوراً من أجل تبني سياسات أكثر اخضراراً، وإلى أن تصبح أكثر كفاءة، وأكثر قدرة على المنافسة، وأكثر إنتاجية وأكثر ابتكاراً. قصارى القول، إن آل غور قد حصل أخيراً على التكريم الذي يستحقه لأنه رجل ألقى- كما لم يفعل أحد من قبله- ضوءاً كاشفاً على التحدي المناخي الذي يواجهنا. ولكننا مع ذلك، لا زلنا بحاجة إلى رؤية، وإلى استراتيجية، وإلى جيش... إلى قائد في البيت الأبيض لديه القدرة على تقديم الإلهام للأميركيين شباباً وشيباً، ليس من أجل مواجهة التحدي، ولكن من أجل أن يروا في ذلك التحدي فرصة لجعل أميركا أمة أفضل، وأقوى، وأكثر إنتاجية... فهذه هي لحظة اختبارنا الحقيقية. ـــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"