بناء على توصيات منظمة الصحة العالمية، قامت السلطات السعودية الأسبوع الماضي، بفرض حظر شديد على الأطعمة والأغذية التي تدخل المملكة، سواء عن طريق الاستيراد التجاري، أو بصحبة المسافرين والمعتمرين خلال الشهر الكريم. ويأتي هذا الإجراء، كمحاولة لوقف انتشار ميكروب الكوليرا إلى داخل حدود المملكة من الدول المجاورة، وخصوصاً العراق وإيران وبنجلادش. وتعتبر السعودية هي آخر دول المنطقة التي اتخذت احتياطات محددة، ضد انتشار مرض الكوليرا. ففي الشهر الماضي مثلاً، أعلنت الكويت حالة الاستعداد ضمن العاملين في مجالي الصحة والطوارئ، وحذرت العامة من شراء أية أطعمة أو أغذية تم استيرادها من العراق. وعلى نفس المنوال، اتخذت الحكومة الأردنية إجراءات مشددة بهدف منع انتقال المرض إلى أراضيها، مثل تنفيذ فحوصات معملية متكررة على عينات من مصادر المياه المختلفة عبر البلاد، مع منع جميع القادمين للمملكة من جلب أية أطعمة معهم ما عدا الأطعمة المعلبة، والاشتراط على جميع القادمين من العراق تلقي التطعيم ضد الكوليرا مسبقاً. حالة القلق الشديد هذه التي أصابت بعض دول المنطقة، وخصوصا تلك التي تتشارك في الحدود مع العراق، سببها عودة قوية لميكروب الكوليرا، ليس فقط في العراق، وإنما في الدول الأخرى المجاورة، مثل إيران وبنجلادش والهند، وهي الدول التي تشهد دائماً حركة سفر كبيرة من وإلى دول المنطقة. هذه العودة القوية للميكروب، بدأت مع ظهور وباء محلي من الكوليرا، في منتصف شهر أغسطس الماضي، في محافظة كركوك بشمال العراق. تمكن بعدها الميكروب خلال أسابيع قليلة، من الانتقال بسرعة كبيرة إلى تسع محافظات أخرى، من بين المحافظات العراقية الثماني عشرة. وخلال هذه الفترة الزمنية القصيرة، أصاب المرض أكثر من ثلاثين ألفاً، لقي أربعة عشر منهم حتفهم. وهذا العدد البسيط من الوفيات، ربما كان مرده إلى خبرة العاملين الصحيين في العراق بهذا المرض، والذي ظل يطل برأسه القبيح في العراق بين الحين والآخر، وخصوصاً بعد الغزو الأميركي، وما نتج عنه من تدمير للبنية الأساسية. ففي منتصف عام 2003 مثلاً، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن وقوع وباء من الكوليرا في بغداد، وبعض المدن العراقية الأخرى مثل البصرة، بعد أسابيع قليلة من الغزو وانهيار الحكومة العراقية. وفسر الخبراء هذا الوباء حينها، على أنه نتيجة انقطاع مياه الشرب النظيفة عن المدن منذ بداية الحرب، مع ارتفاع حرارة الجو وسوء النظافة العامة، والتي تعتبر كلها عوامل مثالية لانفجار أوبئة من الكوليرا، المتوطنة أساساً في العراق. وعلى عكس ما يعتقد البعض، من أن الكوليرا هي مرض من أمراض التاريخ قضى عليه الطب الحديث، نجد أن الحقيقة هي أن ميكروب الكوليرا حي يرزق بيننا، حيث يصيب ويقتل الكثيرين عاماً بعد عام في العديد من مناطق العالم. والكوليرا مرض مُعدٍ وبائي، تسببه بكتيريا عصوية الشكل، تنتقل إلى الشخص السليم عن طريق مياه الشرب أو الخضروات والفواكه الملوثة، ببقايا براز شخص مريض. وبعد دخول الميكروب إلى الجسم، ووصوله إلى الأمعاء الصغيرة، يبدأ في إفراز سموم تؤثر على خلايا الأمعاء المسؤولة عن امتصاص المياه والسوائل التي نشربها كل يوم. هذا التأثير السام يؤدي إلى فشل هذه الخلايا في امتصاص السوائل، وهو ما يظهر في النهاية على شكل إسهال شديد -شبيه بماء الأرز- يؤدي إلى جفاف شديد، ومن ثم دخول المريض في غيبوبة. وتبدأ أعراض الكوليرا في الظهور بعد ساعات قليلة من الإصابة بالمرض، وإذا لم يتم علاجها واستبدال السوائل المفقودة من الجسم على وجه السرعة، فإنه يمكن أن يلقى المريض حتفه في غضون أيام. وبسبب تمتع دول الخليج بشبكات من مياه شرب وصرف صحي عالية المستوى، يندر جداً انتقال الكوليرا في دول المنطقة عن طريق مياه الشرب الملوثة. إلا أن دول المنطقة تعتمد بشكل رئيسي على استيراد المواد الغذائية الطازجة من الخضروات والفواكه من الدول المجاورة، مثل العراق والأردن وسوريا ولبنان. وهذه الخضروات والفواكه الملوثة، غالباً ما تكون هي الباب الذي قد يطرق منه الميكروب أبواب المنطقة، بالإضافة طبعاً للأغذية الطازجة التي يجلبها العمال الآسيويون معهم من بلادهم، وخاصة منها تلك المستوطن بهما الميكروب منذ قرون طويلة. ويحتمل أيضاً أن يكون أحد هؤلاء العمال مصاباً بالمرض قبل قدومه للبلاد، وإن كان هذا احتمالاً ضعيفاً، نتيجة أن أعراض الإصابة بالكوليرا غالباً ما تظهر خلال ساعات معدودة. وتتميز دول المنطقة بنقطة ضعف أخرى، وهي وقوعها على واحد من أهم المجاري الملاحية وأكثرها استخداماً في العالم. فبعض السفن المارة في الخليج العربي، أحياناً ما تفرغ حمولتها من "ماء بطن السفينة" (Ballast Water)، والذي أحياناً ما يكون ملوثاً بالميكروب. وهذا السيناريو بالتحديد، كان السبب في وباء وقع في أميركا الجنوبية، واستمر منذ بداية عام 1991 إلى عام 1994، وتسبب في وقوع أكثر من مليون شخص ضحية للمرض، ووفاة عشرة آلاف منهم في النهاية. وتجري منظمة الصحة العالمية حالياً بعض الدراسات، عن فعالية برامج التطعيم المجتمعية، كجزء من استراتيجية عامة، لحماية الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض. حيث يوجد حالياً بالفعل تطعيم آمن وفعال ضد الكوليرا، يتم تعاطيه عن طريق الفم، ويمكن استخدامه من قبل الأفراد والعاملين في المجال الصحي، وغيرهم.