"أنا أعلم أن صورة بلدي مشوَّهة، وأن الناس تتقول عني أقاويل ليست صحيحة، ولذلك أنا أقدر الفرصة للحديث مباشرة للمشاهدين، ولأعبر أن بلدي هو بلد السلام" الرئيس بوش على فضائية "العربية" 5/10/2007. في تخيلات "بوشية" هي أقرب للخيال منها إلى الواقع لامس الرئيس بوش في مقابلته مع محطة "العربية" الكثير من القضايا الأساسية التي تهمنا وتؤثر في أمننا واستقرارنا، من علاقة أميركا مع العرب ورأيه في الإسلام، وملفات إيران والعراق، ومؤتمر الخريف القادم، إلى غير ذلك مما تناوله من الملفات المرتبطة بالأمن والسلام والحرب والاستقرار. ومن المؤسف والمؤلم حقاً أن يكون لقرارات شخص واحد، وما يقرر تنفيذه من عدمه، هذا التأثير الكبير على منطقتنا من حرب أو سلم. والسبب ليس قوة أميركا المتراجعة، بل هو ضعفنا نحن المتقدم. ولم يأتِ الرئيس بوش بجديد طبعاً في مقابلته تلك عن الملفات الأكثر ضغطاً وتأثيراً في المنطقة، من نظرته للإسلام إلى مؤتمر سلام الخريف، ومن الملف العراقي إلى الملف الإيراني، ومن لبنان إلى سعيه لتحسين صورة أميركا المشوهة في عقول وقلوب ملايين العرب والمسلمين في العالم، والتي لم يملك بوش لإصلاح عطبها سوى إخبارنا بأن ذلك غير صحيح. ولكنّ في ممارسات بلاده وما نشاهده على شاشات "العربية" والفضائيات الأخرى من ممارسات أميركية في العراق وآخرها مجازر شركات الأمن، وقبلها مجازر القوات الأميركية، وتبرئة الجنود في المحاكمات العسكرية، وما يستمر من معاملات مشينة في سجن قاعدة غوانتانامو، والتعرض للعرب والمسلمين الأميركيين، ما لن تلطِّفه عشرات مقابلات بوش وفريق دبلوماسية العلاقات العامة. إن ما تطرق إليه بوش هو تكرار لبضاعة اعتدنا عليها في دفاعه المتكرر عن سياساته التي لم تحقق النتائج التي يرغب فيها. ومع ذلك ما زال مستمراً على النهج نفسه، في مكابرة تدفع حتى حلفاءه "الجمهوريين" من داخل حزبه إلى انتقاده، دعْ عنك خصومه "الديمقراطيين" المنتقدين لها بشدة أصلاً. لقد أشاد بوش في المقابلة بالدين الإسلامي. وأكد أنه ليس عدواً للمسلمين، معرباً عن اقتناعه بأن الإسلام دين عظيم يدعو للسلام. ولكنْ، هل علينا تذكير الرئيس الأميركي بأنه هو نفسه من قدَّم في صيف 2006 ما سماه: "الإسلام الفاشي"؟ أما في الملف الإيراني، فقد أصرَّ على أن جميع الخيارات على الطاولة، وأن الخيار الأول هو خيار الدبلوماسية والعقوبات والتشدد. وعن مخاوف حرب يخطط لها مطلع العام القادم، اكتفى بوش بوصفها بـ"الثرثرة التي لا أساس لها من الصحة"، مما تركنا في نفس الموقف الرمادي، في مراوحة بين التوتر والحرب التي يقرع طبولها تيار المتشددين داخل إدارته. أما بخصوص الحرب على الإرهاب، فقد كرر الرئيس بوش كعادته، أنها ليست حرباً على الإسلام، بعد تصريحه الشهير بشن "حملة صليبية" مع بداية الحرب على الإرهاب تلك، قبل ستة أعوام. كما تطرق الرئيس بوش في المقابلة مع "العربية" لحرب العراق التي ما زال يُصر على أن قرار خوضها كان قراراً صائباً، في مكابرة أخرى ينتهجها دون الاعتراف بالأخطاء القاتلة أو التكتيكية على الأقل التي اعترفت بها رايس، والتي ترتبت على تلك الحرب، وما أسفرت عنه من دمار وهلاك للعراق وشعبه وللمنطقة واستقرارها، ولهيبة أميركا نفسها وسمعتها حول العالم، ولحزبه هو وفرص خسارته الكبيرة في الانتخابات القادمة. وفي استمرار لنهج بوش التبسيطي المعتاد وغير المُقنع يقول إنه استنفد جميع الطرق الدبلوماسية قبل أن يتخذ قرار الحرب، الذي وصفه بأنه القرار "الأكثر قساوة" الذي اتخذه، وبالتالي فإنه غير متأسف على أخذه لذلك القرار"الجيد"، الذي أدى لمقتل عشرات آلاف العراقيين، وحول 5 ملايين عراقي إلى لاجئين داخل وطنهم وخارجه، وشملت خسائره أرواح 4 آلاف من القوات الأميركية، و500 مليار دولار، ولا يبدو خط نهاية لنزيف الخسائر في الأفق القريب. ولعل أكثر ما يمكن أن نقوله عن مقابلة بوش مع محطة "العربية"، في شهر رمضان، وتزامناً مع الذكرى السادسة لحرب أميركا على الإرهاب وأفغانستان، أنها كانت جزءاً من حملة أميركا في مجال العلاقات العامة، واستمراراً لمساعي واشنطن لكسب ما تسميه معركة الظفر بعقول وقلوب العرب والمسلمين. ولكن هذه المقابلة لم تقنع الكثيرين، وخاصة الناس العاديين، طالما أننا نرى نتائج سياسات واشنطن على فضائياتنا نفسها التي يخاطبنا منها بوش وصحبه. فالمهم هو الأفعال وليس الأقوال يا مستر بوش.