أما بعد, فقد طفح بنا الكيل نحن عرب ومسلمي الكرة الأرضية من جراء تصرفاتك أيها الهلال، والتي ما عادت بنا قدرة على تحملها. ففي مطلع كل شهر رمضان وفي نهايته, ومع قدوم كل عيد وإطلالته, لا "تتورَّع" عن التلاعب بأعصابنا. فلا ندري متى تشرفنا, ومتى تغادرنا. ويؤدي ذلك إلى اختلافنا وانكشاف فضيحتنا أمام الخلق والملأ, وأنت المتهم الوحيد بالتسبب في ذلك. وعوض أن نحترب ونشد في رقاب بعضنا بعضاً اختلافاً على موعد تشريفك الميمون, فإننا قررنا توحيد جبهتنا والتوجه إليك أنت باعتبارك المصدر الأساسي لذلك الخلاف. لهذا فإننا نحن مئات الملايين من البشر المسلمين الذين يترقبون طلوعك وغروبك كل عام نرسل لك هذا التهديد النهائي, وإن لم ترعوِ وتخضع للمنطق والحق, فإنه سيكون لنا معك شأن آخر. وسوف تجد بطيِّ هذه الرسالة مضمون التهديد الذي سوف نطبقه ما لم تقم بتغيير سلوكك المحيِّر, واعتبر هذا التهديد اللفظي الخطوة الأولى لما قد يلي، وهو أبلى وأعظم. ولك أن تتوقع تصعيدنا من مستوى التهديد وتطبيقه شيئاً فشيئاً, بالتوازي مع استجابتك أو عدمها, والذي قد ينتهي بتفجيرك, أيها الهلال, والخلاص منك نهائياً بالأحزمة الناسفة. ففيالق انتحاريينا تتحرَّق ليوم صدور الأوامر والطيران باتجاهك, أو في الواقع بأي اتجاه كان, وتفجير الطائرات فيك وفي غيرك! اسمع أيها القمر: لقد سئمنا السياسة الملتوية والغامضة التي تتبعها كل شهر, والتي تخلو من الوضوح. إن نساءنا ورجالنا, شيوخنا وأطفالنا, أصحاءنا ومرضانا, مقيمينا ومسافرينا, حكامنا ومحكومينا, أحرارنا وسجناءنا, أحياءنا وأمواتنا, أغنياءنا وفقراءنا, مؤمنينا وفاسقينا, أحزابنا وجماعاتنا, وكل فرد فينا صار يرى في عنادك وتلاعبك في مواقيت طلوعك وغيابك ما يمسه شخصياً ويقضُّ مضاجع حياته. إنك, وبإصرارك على سلوكك, قد تسببت في نزول الشقاق والنفاق في أوساط أمتنا الموحدة بسبب الانتظار والترقب الدائم لظهورك, ثم إرسال إشارات مخادعة ومتضاربة, فمنَّا -أيها الهلال- من يحلف أغلظ الأيمان بأنه رآك رأي العين, ومنا من يحلف نفس الأيمان الغليظة بأنه لم يرك, بما يسعر من أوَّار الخلاف بيننا. والسبب في ذلك أنت وانتظار إطلالتك الغامضة وغير الواضحة، وما تجلبه من توتر وخلاف ونزاع في أوساطنا. إنك تسببت في إنزال السخرية بأهم مجمعات فقهنا وفي كبار مفتينا وأفاضل شيوخنا الذين آلوا على أنفسهم نشر العلم والتفتح والتسامح والاستفادة مما تتيحه العلوم الحديثة في أوساطنا! هؤلاء الشيوخ والمفتون النوابغ, وبسبب غموضك, صاروا يهيمون على وجوههم في صحارينا وعلى رؤوس جبالنا يترقبون بزوغك الميمون. إن هؤلاء الفقهاء الكرام الذين يعيشون تفاصيل العصر الراهن بشكل خلاق, ويتعاملون مع العلم بإبداع لا يُضاهى, ويتقنون فنون التكنولوجيا وأسرارها, أصبحوا بسببك وحدك ضحايا للتعب والسخف وهم يلاحقونك من جبل إلى جبل, ومن برج إلى برج, يحاولون تصيُّدك بالعين المجردة. وأنت أيها القمر القابع في ظلامه البعيد لا زلت ترفض ما تسميه البدع الحديثة التي يحاول مفتونا المستنيرون إقناعك باستخدامها, وتقولون إن استخدام العلم الحديث للاستدلال عليك هو سموم تندسُّ في ديننا وتشوهه! ورغم كل جهود الشيوخ النوابغ الخيرة وبـ"العيون المجردة" الدؤوبة لتحري رؤيتك, فإنك, تظل تراوغ, فتارة تختبئ خلف غيمة, وتارة تغيب خلف شفق, وأخرى تندمج في غسق, وهكذا تقود بهذا التصرف إلى استغلاق أفهام مفتينا فلا يدرون إن كنت قد بزغت أم لم تبزغ! وإذا ما استغلقت الأفهام على مفتينا فلك أن تتوقع الرد الماحق الذي سيحل بمئات ملاييننا ممن تشرئب أعناقهم لتلقف الكلمة الفصل من هذا المفتي أو الشيخ العلامة بأنه رآك رأي العين المجردة! إن مشكلة رؤيتك أيها الهلال تتعدى التلاعب بمفتينا ومشايخنا والتنكيد بالتالي علينا جميعاً. إنها تصل أيضاً إلى مستوى إحلال الفضيحة بنا أمام الأمم والشعوب. فتلك الأمم التي صارت تعرف وتتنبأ بمواعيد ظهور كل الكواكب والشموس, وتقدر أوقات حدوث الزلازل والبراكين وتغييرات المناخ قبل سنوات, صارت تسخر منا بسببك أيها القمر, لأنك ترفض الانصياع لمنطق العلم والتقديرات الفلكية. أنت وحدك من دون أقمار وكواكب الكون تصعِّب علينا وترفض أن تنتظم وفق ما تنتظم به الكواكب الأخرى. أنت أيها القمر، بهذا المعنى، سبب فضيحتنا الذي قررنا الآن أن نواجهه بكل صرامة. لهذا ولكل الأسباب آنفة الذكر, وهي قطرة من محيط مشكلتنا معك, فإننا نطالبك وبكامل الصرامة والوضوح أن تحدد موقفك من هذه القضية المصيرية التي تقلق مضاجعنا كل عام. وحتى تكون على بينة من تهديدنا هذا وتتيقن من جديته, فإننا نضع أمامك الشروط التالية والتي, وأيم الله, إن لم تنزل عليها فلن يكون بيننا وبينك إلا السيف! أولاً: عليك أيها الهلال الكريم أن تنزل على الحق وتستفيد وتستعين بوسائل العلم الحديثة التي صارت تمكن كل الكواكب والمجرات والشموس الأخرى من تحديد مواعيد إطلالاتها لسنوات وعقود طويلة قادمة: باليوم والتاريخ والساعة والدقيقة. لا يمكننا قبول أعذارك و"كسلك" وتراخيك عن تسهيل أمور مليار ونصف لأنك ما زلت تعيش في قعر التاريخ ولا تريد الاستفادة من ضوء الشمس، وتستخدم ما أتاحه لك ولنا العلم من وسائل. آن الأوان أيها الهلال أن تسمع كلمة قاسية من كل من يعيشون في ظل ظلامك! ثانياً: إن "عنادك" المرفوض وسخريتك من عقولنا سوف يقودان إلى تخلينا عنك, وإلى اعتمادنا على قمر أو كوكب آخر أكثر وضوحاً ولا يتصف بالتملُّص والمراوغة في الظهور والغياب. وربما نختار "زحل" فإضافة إلى أنه أوضح منك ألف مرة, فإنه يفوقك جمالاً أيضاً, هذا رغم أن كثيراً من شعرائنا ومغنينا ومطربينا كانوا من المخدوعين بك أيها القمر ولطالما تغنوا بك. إننا الآن في عصر التواصل والعولمة والمعلومات والاطلاع على كل المصادر, وصار بإمكاننا أن نختار وقد ولى زمن الظن بأنك النور الوحيد! ثالثاً: عليكم أيها القمر أن تدرك أن الوازع الوحيد الذي يمنعنا من إرسال فيالق انتحاريينا للتخلص منك هو الخشية أن نقع في ورطة أكبر من الورطة التي نعيشها بسببك. فلو تخلصنا منك أيها القمر لداخ مئات الملايين منا وهم ينتظرون بزوغك. متى يبدأون الصيام ومتى ينهونه؟ ومتى يأتي العيد ومتى يروح, وألف سؤال وسؤال ستطحن ما تبقى منا، لتحديد بداية كل شهر قمري.