بأية حال جئت يا عيد؟ كنت أتمنى في هذا اليوم أن يكون مقالنا متفائلاً ومرحاً ليواكب "فرحة" العيد، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لأن "اللئام" سرقوا هذا التفاؤل؛ وصادروا حق الفرحة، وجعلوا الأمل سراباً، وصنعوا من اليأس رداءً لكل عربي يأمل في غد أفضل. لقد بات الحديث عما آل إليه حال العرب، مثل مسلسلات رمضان، قصصاً معادة ومكررة ومملة، إلا أنه لم يمنع الكتاب والصحفيين والإعلاميين من تناولها، لعل في ذلك بعض التفريج عن حالة التأزم النفسي التي يعاني منها العرب، وربما تدفع المواطن العربي إلى أن يتحمل مسؤوليته الوطنية، ويسعى إلى أن يحافظ على ما تبقى من مصالح عربية قبل أن يقضي عليها "اللئام". لم تعد حياكة المؤامرات والاتفاقات السرية والأنشطة المستترة كافية لاستغلال الضعف والوهن والتأزم المستمر في الجسد العربي، بل بات اللعب على المكشوف، بعد أن أصبح الانبطاح والتسليم بالأمر الواقع السمة الراهنة للمجتمع العربي، فتوالت النكبات والهزائم وسلبتهم آليات الفعل، وإرادة التنفيذ، وأقنعتهم بأن مصالحهم في تشرذمهم وأمنهم في استبدادهم، وأن العقم في التفكير خير وسيلة للتعامل مع أزماتهم. فالعرب اليوم رهن مصالح الغير، وتحت رحمة من يعبثون بمصائرهم، ويلغون وجودهم، سواء الفرس أو الصهاينة أو الأميركان أو المتطرفون والإرهابيون وغيرهم، ننام ونصحو على الكابوس ذاته، لا مخرج ولا مفر، نشجب وندين ونرفض ونستجدي دون أن يكون لنا دور في الأحداث. فالفرس قرروا أن يكونوا قوة إقليمية عظمى في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أصبحوا المستفيد الوحيد من النشاط العسكري للإمبراطور بوش الصغير في المنطقة، ونجحوا في التسلل إلى عمق العراق ولبنان وسوريا واليمن وإدارة حرب بالوكالة ضد المصالح العربية، وفرضوا زعامتهم على كل الشيعة، وبات كثير من العرب يتغنون بالبطولات الزائفة للفرس في مواجهة الإمبراطورية العظمى، وتناسوا الحقد الفارسي على العرب وتدخلهم في شؤونهم، واستمرار احتلالهم لأراضيهم، كما لم يتوقف أحد ليسأل نفسه لماذا لا تعاني الدولة الفارسية الأنشطة الإرهابية مثل معاناة الدول العربية، رغم وقوعها في قلب ومسار حركة هذه الأنشطة؟ وربما يكون الجواب محيراً، فإما أن الفرس يتعاونون مع الإرهاب أو يتحالفون معه أو يديرونه، لأن المصالح هي التي تحكم سلوكهم، لذا فليس غريباً أن يسعى الفرس إلى امتلاك القنبلة الذرية، فهي الضمانة الوحيدة لتوقيع صك الاعتراف بهم كقوة إقليمية عظمى في المنطقة، وهم في سبيل ذلك على استعداد لعمل أي شيء، وليس ببعيد ما جاء في كتاب "تريتا بارسي" أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز" بعنوان "تحالف الخيانة: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة"، الذي صدر في بداية أكتوبر 2007، حيث أشار إلى الصفقة الكبرى التي عرضتها إيران على الولايات المتحدة بعد بدء غزوها للعراق عام 2003، وباعت فيها "حزب الله" اللبناني، و"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وتراجعت عن مناهضتها للسلام مع إسرائيل، وأبدت استعدادها لفتح منشآتها النووية أمام المفتشين الدوليين، وتأكيد الطابع السلمي لنشاطها النووي، في مقابل بدء إنهاء العقوبات الاقتصادية واحترام مصالح إيران في العراق، وأن تكف أميركا عن محاولة تغيير النظام الإيراني. ولأن حقيقة القدرة العسكرية والاقتصادية للفرس، وليس خطابهم الإعلامي، ونواياهم، تشير إلى الضعف مقارنة بالقوة العظمى الوحيدة، وفي ظل تزايد مستوى الفقر، وتدهور أحوال المعيشة، وانتشار البطالة، بات المخرج الوحيد للحفاظ على النظام الحاكم، هو إيجاد قضية وطنية خارجية لإحداث إجماع شعبي عليها يشغله عن تراجع الأحوال الداخلية، وبالطبع كان البرنامج النووي هو هذه القضية، وسيكون العرب هم الضحية. أما الصهاينة، فإنهم مستعدون للتحالف مع الشيطان نفسه للقضاء على كل من يعترض مشروعهم التوسعي الكبير، ولن ننسى الدعم العسكري الإسرائيلي للفرس في حربهم ضد العراق، وفضيحة "إيران-كونترا" خير شاهد، في حين أن ثورة الفرس عام 1979 جعلت من إسرائيل عدوها اللدود، أي أن التعاون بين "اللئام" من الفرس والصهاينة ممكن دائماً طالما كان موجهاً ضد العرب. ومنذ شرع الصهاينة في تحقيق مشروعهم على أرض فلسطين كان نصب أعينهم أن الطريق مفروش بالورود إذا ظل العرب منشغلين بصراعاتهم البينية، ومشغولين بأزماتهم الخارجية، فاستطاعت الصهيونية بناء قوة إقليمية عظمى في المنطقة تمتلك سلاحاً نووياً وتعبث بالأمن العربي، وتحيك المؤامرات وتنتهك القانون الدولي وتضرب بالقرارات الدولية عرض الحائط، وفي الوقت الذي كان فيه العرب أسرى الانقسام الفلسطيني، كانت القوات الجوية الإسرائيلية تقوم بنزهة في الأجواء السورية، وتنفذ قواتها الخاصة جداً عملية عسكرية في العمق السوري، في ظل رغبة إسرائيلية-أميركية في التذكير بالذراع الطولى لإسرائيل، وتم فرض نوع من الغموض والسرية الشديدة على العملية ليدفعا الخيال العربي إلى تصور أن القوة العسكرية عادت إلى سابق قدراتها في الردع بعد كبوتها في لبنان 2006، ولا يزال في جعبة الصهيونية الكثير لتحقيق هدفها النهائي، في حين أن العرب على حالهم من رد الفعل والتسليم بالأمر الواقع. وإذا انتقلنا إلى الإمبراطورية العظمى فسنجدها تخطط وتقرر وتنفذ دون أي التفات للمصالح العربية أو حتى مشاورة العرب، بل لا يخرج الأمر عن كونه إملاءات واجبة التنفيذ أو زيارات سريعة لحفظ ماء الوجه، فبوش الصغير يصرح منذ أن بدأ ولايته الأولى عن تقسيم فلسطين إلى دولتين، وكأنه أتى بجديد، وتناسى أن الأمم المتحدة قد قررت ذلك منذ أكثر من ستين عاماً في نوفمبر 1947، ورغم هذا فإنه من المشكوك فيه أن يصدق في وعده في مؤتمر خريف 2007 أو حتى ربيع 2700، لأن مصلحة الفلسطينيين لا تهم أميركا ورئيسها، والعرب مستسلمون لاستراتيجية واحدة فقدت مصداقيتها، ومنصاعون وراء السراب الأميركي، وكذلك حال الشأن العراقي، فالإمبراطور الصغير هو صاحب الكلمة العليا في الأمر، ولا يعنيه سوى الحوار مع الفرس أصحاب الكلمة السفلى في الميدان. وإذا كان قرار تقسيم العراق قد اقترحه الكونجرس الأميركي، فإن أهل العراق من شيعة وأكراد قد اقتسموا العراق فيما بينهم، بعد أن أصبحوا لقمة سائغة على المائدة "الفارسية-الأميركية"، وآثروا مصالحهم الآنية على مصلحة العراق، وتفرغوا لجمع فتات المائدة، ولم تتجاسر الأمم المتحدة بدولها الـ197 على أن تتدخل للمساعدة في فك ارتباط العراق بمائدة اللئام، رغم صدور قرار من مجلس الأمن في أغسطس الماضي يشدد على ضرورة وجود دور سياسي للمنظمة الدولية في الأزمة العراقية، من خلال دعم المصالحة الوطنية بين قوى الحرب بالوكالة، والحوار مع الدول المجاورة، وإذا كان سعادة "المشير" عزت الدوري قد استطاع مؤخراً تجميع نحو 22 فصيلاً ليقتل المزيد من إخوانه العراقيين، فإنه يعمل لتسهيل عملية هضم العراق وتقسيمه. أما المتطرفون والإرهابيون، وهم ضحايا شعارات زائفة ووهم خادع يسمى "الجهاد والتضحية من أجل الدين"، فإنهم يعملون لصالح أشخاص ودول تسعى إلى السلطة والثروة، أي أناس يحاولون أن يكون لهم نصيب من المائدة، لذلك فليس غريباً على من خدعهم أن يدفعهم لقتل أبناء وطنهم. اليوم يجري إعداد المائدة لتوزيع الغنائم، الفرس يفرضون نفوذهم في العراق والاعتراف بهم قوة إقليمية في مقابل التنازل عن التسلح النووي والتوقف عن تهديد المصالح الأميركية-الإسرائيلية، والصهاينة ينفردون بحل القضية الفلسطينية وفق سياسة الأمر الواقع في مقابل التطبيع العربي من المحيط إلى الخليج، والولايات المتحدة تفرض سيطرتها على النفط وتقوم بتقسيم العراق تمهيداً للانسحاب مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن الدولة الفارسية. ربما لن نكون قد أتينا بجديد، بل نزعنا الضمادات ونكأنا الجراح العربية، وفضحنا طعناتنا لأنفسنا، ومصيبتنا في أبنائنا من متطرفين وحاقدين ومغرر بهم، فأصبحنا لقمة سائغة على مائدة "اللئام". عيدكم مبارك.. كيف؟! لا أدري.