ماذا تريد المرأة الخليجية في ظل التغيرات التي طالت كل مناحي الحياة، وهي ازدادت علماً بأن لها دوراً مستقبلياً يجب أن يتبلور في المجتمع، حيث تبقى مطالب المرأة عموماً فيها خلطة من الوضوح والغموض في آنٍ واحد. فوجه المقارنة بأخواتها في الأنوثة من الشرق أو الغرب، يظهر في تتبع حركة التغيير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في مختلف الأصقاع، يلاحظ أن هذه الغيرية تختفي تدريجياً كلما طالبت المرأة بالحقوق التي تساويها بالرجل وليس ما يقربها إليه، فيقع الصراع الداخلي وقد يستمر لعقود طويلة إلى أن تحين ساعة الحصول على ذلك الحق المطلوب، فما تلبث المرأة أن تنفث سهام ذلك الصراع المكنون على شكل موجات من الانتقام الإداري الخفي، فتبدأ بالترجل على حساب أنوثتها الأصلية ورجولة الرجال كذلك. لا نريد هنا أن نربط حقوق المرأة الخليجية مباشرة بمفهومها الشرعي لأنها مسلمة أولاً ومسلّمة فالجدال حولها لن يضيف جديداً لان العنوان العام معروف منذ قرون (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن...)، (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف...) ولكن مطالب بعض الخليجيات أكبر من ذلك بكثير، ليس من حيث العدد بل النوع الذي يراد تحقيقه على واقع محاطٍ بأسلاك شائكة من العادات والتقاليد والأعراف التي أصبحت مع مرور الزمن جزءاً يصعب فصله عن الدين والإسلام، فسرعان ما يفسر الخروج عن المألوف والمعتاد شذوذاً لا يمكن التعامل معه إلا بموجات من الاستنكار من قبل البعيدين عن مسار الالتزام الديني قبل المتمسِّكين بأهدابه. من هنا نجد أن الذي وزع عطايا الحقوق على المرأة كان رجلاً في البداية وسيبقى رجلاً في النهاية، ولكم الرجوع إلى أدبيات الحضارات كلها فلا نجد هنا اختلافاً كثيراً في المجمل، وإن كانت التفاصيل هي التي تبرز آيات من الجمال على الحياة المتنوعة للبشر. مرة أخرى، الخليجية تريد أن تكون غيراً، فبماذا؟ لو أردنا الجواب الأسرع يصب في خانة الوصمة، أي وصمة الخروج على المألوف وهي التي ستدفع ضريبتها وحدها، ولن تجد في الواقع من يقف معها حتى ممن قام بتشجيعها على المبادرة بالتمرد الاجتماعي. لابد أن نقر بأن التطور التقني الملحوظ في كافة المجتمعات الخليجية ليست له علاقة مباشرة بتطور الوعي الاجتماعي في كل ما يخص مطالب الخليجية في المستقبل المنظور. فالتطور في المسار الاجتماعي بحاجة دائمة إلى إدراك كامل ووعي شامل بمجريات الأحداث في المجتمع ومعرفة نقاط القوة التي تحافظ على مكتسبات تم إلصاقها بالدين مباشرة وقد لا تكون كذلك وحتى وإن كان الدين يحث عليها في وصاياه. والأمر الآخر إذا أرادت الخليجية أن تكون غير، فإنها بحاجة إلى ممارسة نوع من العلمنة الخفية بحيث تفصل مؤثرات الموروثات شيئاً فشيئاً عن حياتها العملية، وهي ليست بهذه السهولة كما تظن حتى وإن مارست هذا السلوك في فترة الحياة الدراسية في الخارج، فإنها بمجرد عودتها إلى بيئتها الأصلية التي لم تتغير كثيراً فإن الخارج كله أو جله يذوب تلقائياً بدون شعور منها، وكأن تلك الحياة الخاصة والمؤقتة كانت عبارة عن ملف إلكتروني تم إلغاؤه وليس حفظه في سلة المهملات ويحل ملفاً آخر محله تستخدمه الخليجية التي كادت تكون غيراً في فترة وتريد أن تستمر كذلك ولكن ماء المجتمع المحلي قد زاد على لبن المجتمع العالمي، لذا عليها أن تبحث مرة أخرى عن ذاتها قبل أن تلفها عباءة التطرف والتزمت كما هو حال بعض أخواتها من غير كان وإن.