للحظة من اللحظات تملك "هيلاري كلينتون" شعور بالارتباك، رغم أنها أبانت لحد الآن عن رباطة جأش عجيبة وعرفت كيف تستفيد من بريق الأضواء وضحكتها النابضة بالحياة، فضلاً عن زوجها الذكي. لكنها فقدت يوم السبت الماضي في "نيو هامبتون" بولاية "أيوا" مزاجها الهادئ ودخلت في مشادة كلامية مع أحد الناخبين حول إيران، وحينها ظهر عليها الخوف واتخذت خطاً دفاعياً. فقد سألها "راندال رولف"، أحد "الديمقراطيين"، لماذا يتعين عليه أن يساندها بينما هي لم تتعلم دروسها عندما صوتت في السابق لصالح استخدام الرئيس بوش للقوة العسكرية في العراق. ولم يفهم السائل كيف استطاعت هيلاري كلينتون التصويت مرة أخرى بنعم على مقترح إدارة بوش بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، ما قد يفسح المجال أمام المزيد من مناورات وألاعيب ديك تشيني. وردت هيلاري قائلة "إن نعت الحرس الثوري بالمنظمة الإرهابية يمنحنا فرصة فرض العقوبات على القيادة ... وإني اعتبر ذلك جزءا من جهودنا الدبلوماسية". لكن خوفاً من أن يكون صاحب السؤال جاسوساً من الفريق الخصم مدسوساً عليها ويسعى إلى التسلل إلى عالمها الخاص اتهمته بأنه لُقن السؤال، وبأنه لا يتوفر على المعلومات الصحيحة. وعلى إثر الاتهام انزعج "رولف" ورد محتداً "لقد أجريت بحثاً خاصاً حول الموضوع ... إنك أسأت إليّ بإشارتك تلك". اعتذرت هيلاري معللة شكها "إني واجهت السؤال نفسه في ثلاثة أماكن أخرى"، وأوضحت أنها أيدت نسخة أخرى معدلة من المقترح لا تمنح، كما زعم السائل، الضوء الأخضر لاستخدام القوة ضد إيران. وبالرجوع إلى الوثيقة الأصلية حول إيران التي عرضت على مجلس الشيوخ ورعاها كل من "جو ليبرمان" والجمهوري "جون كايل" في الشهر الماضي نجد فقرة تؤيد "الاستخدام المتوازن والحذر لجميع الوسائل المتوفرة لدى الولايات المتحدة في العراق، بما فيها الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والاستخباراتية والعسكرية لدعم سياستنا إزاء إيران". وهو المقترح الأصلي نفسه الذي وصفه السيناتور "جيم ويب" من فرجينيا بأنه "يعادل إعلان حرب" وبأنه "من الأحلام المفضلة لديك تشيني"، ليتم تعديله لاحقاً والتخفيف من لهجته. لكن مع ذلك هناك من أعضاء مجلس الشيوخ من صوت لغير صالح المقترح مثل "جو بيدن" و"كريس دود"، كما أن "باراك أوباما" كان سيصوت ضده لو كان أدلى بصوته. فإذا كنت على علم بمدى تشوق ديك تشيني إلى بدء الصراع مع إيران، أو كنت تعرف أن كوندوليزا رايس تمضي وقتها تتعقب نائب الرئيس في محاولة لثنيه عن مهاجمة إيران وسوريا، وإذا كنت تعرف أيضاً أنك لا تستطيع الوثوق فيما تقدمه إدارة بوش من معلومات، لماذا التصويت إذن على مقترح يطلق أيديهم ويساعدهم على المضي قدماً في سياساتهم الفاشلة بالشرق الأوسط؟ والأكثر من ذلك أن الانشقاقات داخل إدارة الرئيس بوش أصبحت عميقة إلى حد يتعين معه تنبيه هيلاري كلينتون. فقد نشرت "نيويورك تايمز" تقريراً مؤخرا عن الاختلاف بين ديك تشيني وصقور الإدارة من جهة، الذين يعتبرون بأن المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية حول القدرات النووية الناشئة لدى سوريا وما انتهت إليه من غارات إسرائيلية هي صادقة ويمكن استغلالها لانتهاج سياسة أكثر صرامة تجاه سوريا وإيران؛ وبين كوندوليزا رايس وروبرت جيتس من جهة أخرى اللذين "لا يثقان بالمعلومات الاستخباراتية المقدمة لهما ولا يعتبران أنها كافية لتغيير المقاربة الدبلوماسية لأميركا". لذا كان تصويت هيلاري كلينتون لصالح المقترح خطوة غير موفقة، لا سيما بالنظر إلى آرائها الشخصية حول عدم الثقة بنائب الرئيس، وبالنظر أيضا إلى مقال "سيمور هيرش" في مجلة "نيويوركر" الذي يشير إلى محاولة تشيني وضع خطة لمهاجمة مواقع للحرس الثوري الإيراني. وإدراكا منها لخطئها قامت هيلاري بتصحيح مسارها في 1 أكتوبر الجاري من خلال رعايتها لمشروع قرار طرحه السيناتور "ويب" يحظر تمويل عمليات عسكرية ضد إيران من دون ترخيص واضح من الكونجرس. وبالطبع جاء رد فعل خصومها متوقعاً، حيث وجه باراك أوباما انتقادات لاذعة لهيلاري لاستعدادها "افتراض حسن النية في الرئيس مرة أخرى". وتساءل "جون إدواردز" إذا ما "قرر الرئيس بعد ستة أشهر من الآن شن حرب على إيران، فهل سنسمع هيلاري تقول لو فقط كانت أعرف ما أعرفه اليوم؟" فعندما صوتت هيلاري كلينتون في المرة السابقة لصالح استخدام القوة في العراق لم تكلف نفسها عناء قراءة التقديرات الاستخباراتية لأنها لم تكن تسعى إلى القيام بما هو صحيح، بل كان همها القيام بما هو انتهازي. فقد شعرت وقتها بأنه قد لا يكون بمقدورها الترشح للرئاسة إذا ما لعبت دور المحبة للسلام. وبانضمامها إلى "جو ليبرمان" و"المحافظين" من الصقور حول موضوع الحرس الثوري الإيراني تلجأ مرة أخرى إلى الانتهازية. فهي تريد أن تسبغ على خصمها أوباما مظهر الشخص الضعيف الذي يتودد إلى الأنظمة الديكتاتورية، بينما هي القادرة على مواجهتهم. واللافت أنها لم تكتفِ بنجاحها في المناظرات الانتخابية والشعور الذي رسخته لدى المراقبين بأنها أكثر رجولة من باقي المرشحين، بل سعت أكثر من ذلك إلى "الاسترجال" على إيران. لكن يبدو أن قلق الناخبين من انتهازية هيلاري السياسية أصبح أكثر من سعيها إلى الاسترجال، كما أن معسكرها الانتخابي اعتقد بأن تصويتها لصالح المقترح لا يضر بأحد مادام تشيني وبوش لا يملكان الوقت، ولا التأييد اللازمين لضرب إيران، وأن وزير الدفاع قادر على وقف ذلك. غير أنه على هيلاري ألا تستهين ببوش وتشيني، بل عليها أن تبدي من الخوف إزاءهم أكثر مما أبدته إزاء صاحب السؤال في "أيوا". ـــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"