المؤشرات والإحصاءات التي تتحدّث عن انتشار الأمراض في الدولة تستحق وقفة متأنّية، فهناك نسب متداولة حول إصابة ما بين 20%-30% من سكان الإمارات بداء السكري، بما يضع الدولة في الترتيب الثاني عالمياً من حيث نسبة انتشار المرض، والأخطر من ذلك أن بعض المتخصّصين يتوقعون أن تزداد نسبة المصابين بالسكري إلى 50% خلال السنوات المقبلة، وهناك تقديرات بأن 30% من إجمالي المصابين بجلطات القلب ينتمون إلى شريحة الشباب، ويشير أطباء متخصّصون إلى دراسات عالمية كشفت عن أن دولة الإمارات، إحدى الدول التي تعاني بقوة ظاهرة الإصابة بجلطات القلب بين الشباب. أما انتشار السمنة أو البدانة فحدّث ولا حرج، حيث كشفت معظم الدراسات الحديثة التي أجرتها مستشفيات أو مؤسسات محلية معنية، عن ارتفاع معدلات البدانة وزيادة الوزن بين طلبة المدارس بشكل لافت للنظر؛ ومن المعروف أن البدانة وزيادة الوزن هي الطريق المؤدي إلى العديد من أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة الكوليسترول في الدم، ما يساعد على الإصابة بالجلطات وضيق الشرايين، باعتبار أن البدانة قد لا تكون مرضاً بحدّ ذاتها ولكنها بيئة مثالية لتفريخ أمراض خطيرة عدّة، كما أنها ليست ظاهرة محلية بل تكاد تكون أحد متلازمات ارتفاع مستوى المعيشة، حيث يمكن ملاحظة تفشي البدانة في الولايات المتحدة، التي تشير أحدث الدراسات فيها إلى معاناة نصف عدد البالغين الأميركيين، الزيادة المفرطة في الوزن، فهناك نحو 54 مليون شخص أميركي بالغ يصنّفون من البدناء، وعلى الصعيد الإقليمي هناك إحصاءات في مملكة البحرين تشير إلى تفشّي البدانة بين نحو 30% من طلبة المدارس في حين يعاني نحو 60% من الفئة العمرية 19 سنة فما فوق البدانة. بعض الإحصاءات تشير أيضاً إلى أن البدانة مسؤولة عن نحو 10% على الأقل من المشكلات الصحية الخطيرة مثل القلب والسكري والسرطان، وأن آثارها الصحية لا تقل خطورة عن أثر التدخين. فيما حذرت "وكالة معايير الغذاء" البريطانية من أن بدانة الأطفال أصبحت "قنبلة موقوتة" لمعدلات متوسط العمر المتوقع، وأن الاستمرار في هذا الاتجاه يعني أن شباب اليوم سيعيشون فترة أقل من آبائهم. التصدّي الجاد لهذه الإشكاليات الصحية يتطلّب إجراء مسوحات صحية شاملة على مستوى جميع مناطق الدولة بحيث توظف نتائج هذه المسوحات في بناء خريطة متكاملة للأمراض وقاعدة معلومات صحية متكاملة تبنى عليها استراتيجية صحية طويلة الأمد للتعامل مع هذه الأخطار الصحية على المستويين العلاجي والوقائي، وبحيث تشكّل فرق عمل من الجهات والوزارات المعنية للتنسيق من أجل وضع حلول بعيدة المدى للحدّ من هذه الأخطار الصحية، وبحيث يتسع نطاق عمل ومهام بعض لجان العمل مثل "اللجنة الوطنية لمكافحة السكري" في وزارة الصحة، لتشمل رسم استراتيجية شاملة لمكافحة الأمراض التي باتت تهدّد الصحة العامة، ولتضمّ منسّقين من الجهات المعنية مثل الإعلام ووزارة الشؤون كممثل لجمعيات النفع العام والتعليم والهيئات الرياضية وغير ذلك. ربما تكون نقطة البداية الصحيحة في العلاج الوقائي في الاهتمام بالرياضة بمدارسنا كإحدى الوسائل الدفاعية الإيجابية الفاعلة لمكافحة انتشار البدانة، كونها مدخلاً أساسياً لعلاج أمراض خطيرة تهدّد الأجيال القادمة باعتبارها مسبّبات رئيسية للوفاة، فضلاً عن أن نشر الرياضة قد يؤتي بثمار عديدة ونتائج أفضل من التركيز المطلق على تغيير أنماط السلوك الاستهلاكي والعادات الغذائية التي يصعب تعديلها في ظلّ الإغراق الإعلاني ومغرياته المتعدّدة. ـــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.