بعد أكثر من أربع سنوات على سقوط بغداد، أشار رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي السابق "ألان جرينسبان"، وفي أول تصريح من نوعه لمسؤول أميركي إلى أن الهدف الأساسي للحرب على العراق هو النفط، ويبدو أن التدخل في أفغانستان ليس بعيداً عن هذا الهدف، فأفغانستان ممر مهم لانتاج حقول النفط والغاز الغنية في حوض بحر قزوين. على العكس من المكاسب المتوقعة، فقد شلت الحرب اقتصاديات البلدان الثلاث الولايات المتحدة والعراق وافغانستان؛ فالاقتصاد الأميركي في أسوأ حالاته منذ سنوات طويلة، وهناك تدهور مريع في سعر العملة الأميركية وتفاقم في عجز الموازنة السنوية والميزان التجاري، والذي وصل إلى أرقام قياسية، ناهيك عن أزمة الرهونات العقارية المرشحة للتفاقم رغم محاولات محاصرتها. هذه نتيجة طبيعية للتكاليف الباهظة التي تتحملها الموازنة الأميركية والمقدرة بـ 12 مليار دولار شهرياً، كتكاليف عسكرية في العراق وأفغانستان، علما بأن الإدارة طلبت اعتمادات إضافية لتمويل زيادة القوات في البلدين. الاقتصاد والعملة الأميركية مرشحان للمزيد من التدهور في الفترة القادمة، وهو ما دفع الكونجرس لوقف الاعتمادات الاضافية أو تخفيضها للحد الأدنى. أما في العراق، فإن الوضع يُشكل كارثة اقتصادية وأمنية أدت إلى تشريد أكثر من أربعة ملايين عراقي، فصادرات النفط ،التي تمثل عمود الاقتصاد العراقي تتعرقل والانتاج الزراعي والصناعي في أدنى مستوياته، والأخطر من ذلك تدهور التعليم داخل العراق وتفشي الأمية بين العراقيين، كمثال على ذلك هناك 60 ألف طالب عراقي في الأردن، يدرس 20 ألفاً منهم في المدارس الأردنية الخاصة، في الوقت الذي لا يتمكن فيه 40 ألفاً من الانتساب للمدارس ويقبعون في المنازل أو الشوارع بسبب عدم قدرتهم على توفير تكاليف الدراسة، أي أننا أمام 40 ألف طفل عراقي معرضين للأمية في الأردن وحدها، وهناك مئات الآلاف من أمثالهم في سوريا وفي العراق نفسها. وفيما يتعلق بأفغانستان ارتفعت حصتها من انتاج الأفيون من 10% عالمياً قبل الحرب الى 70% في الوقت الحاضر، كما أن هناك أكثر من مليون من المزارعين يعملون في زراعة المخدرات وتصدير هذه السموم لمختلف بلدان العالم. اقتصاد قائم على تجارة المخدرات، إذ لا بديل عن ذلك عند المزارعين الفقراء والمحاربين على حد سواء لتلبية احتياجاتهم، فبعد ست سنوات من الحرب لا زالت الآلة الاقتصادية معطلة والبنية الأساسية مدمرة، بل حتى عمال الاغاثة والمتطوعين الدوليين لم يسلموا من الاختطاف والقتل. للأسف امتدت هذه التأثيرات السلبية لتشمل اقتصاديات بلدان العالم بسبب ارتفاع أسعار النفط الناجم أساساً من المخاوف المحيطة بمنطقة الخليج الواقعة بين العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى القلق الذي يسود أسواق النفط في العالم في ظل المشاحنات بين الولايات المتحدة وإيران. تأثيرات اقتصاد العراق وأفغانستان على الاقتصاد العالمي تكاد لا تذكر، أما الاقتصاد الأميركي، فانه يعتبر قاطرة الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن الركود المتوقع هناك ستكون له تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي ككل. من هنا تأتي دعوة "توماس فريدمان" كاتب "نيويورك تايمز" المعروف والمؤيد السابق للادارة الحالية، والذي يقول في مقالته الأخيرة أن "11 سبتمبر جعلنا أغبياء ولا يمكننا أن نستمر على هذه الحماقة، أميركا فقدت توازنها تماماً، ولذلك فإن الوقت قد حان لتصحيح الأمور والانتقال إلى 12 سبتمبر" أي بمعنى آخر تجاوز عقدة 11 سبتمبر. ما يهمنا هنا هو وضع الاقتصاد العالمي، والذي نحن جزء أساسي منه، إذ أن دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود يمكن أن يجد له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد العالمي ككل وعلى أسعار النفط تحديداً، خصوصاً وأن تخفيض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مؤخراً لم يؤد إلى إنعاش الاقتصاد الأميركي الذي يتحمل أعباء كبيرة في العراق وأفغانستان لا يستطيع أي اقتصاد آخر في العالم تحملها ولكن إلى حين. لا الولايات المتحدة استغلت النفط العراقي بالصورة التي تريدها، ولا العراق تشكل بالصورة الوردية التي رسمت له، بل إنه معرض للتقسيم والتفتت أكثر من أي وقت مضى، من هنا تأتي دعوة "توماس فريدمان" لتمثل نظرة واقعية وعملية لإعادة تقييم الأمور، وهي تعكس وجهة نظر أغلبية مكونات المجتمع الأميركي الذي بدأ يشعر بوطأة التدهور الاقتصادي الثقيلة والمرشحة للتفاقم في الفترة المقبلة، معرضة معها الاقتصاد العالمي بمجمله لأزمة لا يُحمد عقباها.