كان ميثاق الشرف الصحفي، ميثاقاً أخلاقياً من الطراز الأول ومهنياً إلى أقصى الحدود وأبعدها نحو أدق التفاصيل. وقد جاء بالتوازي مع قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بمنع الحبس للصحفيين، وهو القرار الحضاري بمعنى الكلمة. لكن -مع الأسى- من سيهتم بمثل هذه المواثيق؟! فهل ستتفهم صحيفة أجنبية اعتادت الكيل بمكيالين بأن تزيد أحداً وتبخس الآخر وتغمط حقه؟ فالصحف الوطنية أو العربية الصادرة باللغة العربية قد تتجاوز في بعض الأحايين وقد يقع الصحفي في خطأ ما بسبب مصادره أو بسبب نقص المعلومات. لكن ماذا عن الصحافة الأجنبية، وهي الأهم والأخطر والأكثر إساءة؟! فالصحافة الأجنبية الصادرة من دولة الإمارات يتبارى -بعض منها- في البحث عن نقاط الضعف، وتسهب في تمحيصها وفضحها لدرجة التجني والتشهير، وتعمد قلب الحقائق والبحث عن أخطاء قد ترتكب في أي بلاد ويكتب عنها كونها فضيحة، وكون الدولة وأهلها من أصحاب الظلم والسواد دون أدنى شك. وتمتد الإساءة على مستوى المضمون الخبري والإعلان التجاري الذي لا يراعي حرمة مجتمع أو تقاليد أو أعراف، ويصر الترويج للدولة، كونها مرتعاً لكل شيء سواء أكان في خانة الجيد أو في سوق السوء والممارسات البعيدة عن حقيقة هذا المجتمع، صاحب الهوية المسلمة المتسامحة والرافضة لكل ما قد يسيء للأخلاقيات العامة. بل وقد يلعب الصحفي نفسه دوراً مراوغاً في تفريغ الحقيقة من روحها، وفي تلبيس الكذب ألوان الواقع ورائحة الحقيقة، وقد يصل إلى إعلان كلمة حق يراد بها باطل مطلق بأبشع أشكاله. فإذا كانت ممارسة مثل هذا العمل الموغل في الادعاء بما ليس كائناً، كيف سيكون العقاب؟ وكيف سيتصدى ميثاق الشرف الصحفي النبيل لمثل هذه الإساءات التي يزخر بها تاريخهم القريب والبعيد؟ فإذا كان السجن مستبعداً، فما هو الحل لأمثال هؤلاء؟ بالتأكيد لن نكمم أفواه أيٍّ كان، ولكن الحرية المطلقة تعني سيادة الفوضى، وتعني أن هناك استغلالاً لحرية جميلة مسؤولة وذات احترام لحقوق وحريات الآخرين. فعلى الميثاق هذا، الذي وضع ليحدد الحقوق والواجبات، والذي سيتيح شفافية ومسؤولية أكثر التزاماً، أن يبحث في حيثيات المسيء لهذه الحرية والمتطفل على صحافة نظيفة، والمستغل لمساحة احترام وتقدير تكنه الدولة للعاملين في مهنة الأمانة باقتدار، وأن يكون الضابط أولاً وآخراً تقديس هذا العمل والتعاطي معه لكونه رسالة معنية أولاً وأخيراً بالوطن وسمعته وتحقيق هدف الصحافة الحقيقي في أن تكون ضمير المجتمع الحي وعينه التي لا تنام.