هذه الأيام تُعِد العديد من دول العالم ملفاتها لتقديمها إلى الأمم المتحدة، للمطالبة بضم أراضٍ من قاع المحيطات في أعالي البحار إلى الجرف القاري الخاص بكل منها. وتأتي هذه العملية على ضوء ظهور توجه جديد في القانون الدولي، يقول إنه من حق الدول التي تسيطر بشرعية على أقاليم تعود ملكيتها إليها، أن تمد مياهها الإقليمية وسلطتها إلى ما يزيد على 350 ميلاً من سواحل الأقاليم التابعة لها، وذلك إذا ما تمكنت من أن تثبت جغرافياً أن تلك المناطق جزء من خط الساحل الذي يحدد الجرف القاري الذي تسيطر عليه فعلياً وفقاً للقانون الدولي. وهذا الإثبات يجب أن يكون مستنداً إلى مسوحات جيولوجية وجيو-طبيعية، يقوم بها علماء ومساحون معتمدون، فإذا ما استطاعت أية دول القيام بذلك، فإنها تستطيع أن تعلن لنفسها عن جرف قاري خارجي جديد Limit Continental Shelf Outer يمتد إلى المساحة المشار إليها أعلاه كأقصى حد. فما تأثير ذلك على كافة أمم الأرض؟ إن أكثر أمم الأرض تحمساً لهذا المبدأ الجديد هي بريطانيا، فهي تحضر حالياً ملفاتٍ عدةً لمطالبات حدودية ستطال عشرات الآلاف من الأميال المربعة من قاع المحيط الأطلسي المحيطة بجزر فوكلاند وجزيرتي "اسنيشن" و"روك أوول"، وذلك على أمل حيازة مناطق واعدة تحتوي على النفط والغاز ومعادن أخرى. وبمطالباتها هذه- التي ستتقدم بها إلى جهة مختصة تابعة للأمم المتحدة، هي لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالجرف القاري- تكون بريطانيا قد أرست توجهاً قانونياً جديداً قد يشكل مبدأً جديداً يقلب السياساتِ الدوليةَ الخاصةَ بقيعان البحار رأساً على عقب. بريطانيا تقوم حالياً بتسريع عملية تقديم مطالباتها إلى الأمم المتحدة، وهي مطالبات تثير قلقاً وحساسية دبلوماسية على مدار العالم، فهي من جانب ستجعل العديد من الدول الكبرى والقوية إقليمياً، تثير مطالبات ربما تكون مجحفة في وجه جيرانها من الدول الأقل قوة عسكرية وقدرة دبلوماسية، ومن جانب آخر قد تثير مشكلات حدودية جديدة تؤدي في نهاية المطاف إلى نزاعات مسلحة وحروب جديدة تزيد من التوترات الناشبة في هذا العالم وتعرقل مسيرة السلام العالمية. وقد تقدمت أقطار أخرى بمطالبات تخص قعر المحيطات في المناطق النائية في المحميات الواقعة في أعالي البحار، ولكن معظمها تواجه مقاومة ضارية من قبل دول أخرى تدعي أن لها حقوقاً مشابهة في نفس المناطق. ففرنسا التي تقدمت هذا الصيف بمطالب تخص آلاف الأميال المربعة في المناطق الواقعة حول كاليدونيا الجديدة في المحيط الهادئ، تلقت احتجاجاتٍ قويةً وتحذيراتٍ من قبل دول أخرى في المنطقة، بأن لمطالبها تداعياتٍ ودلالاتٍ خطيرةً على سيادة تلك الدول التقليدية والقانونية. وتم انتقاد روسيا في نفس الفترة بسبب قيامها بتقديم مطالب سيادية تخص قعر المحيط المتجمد الشمالي. وبغض النظر عن تلك المطالبات أو ردود الفعل عليها، فإن عملية الضم الفعلي لأية أراض خارج نطاق 200 ميل المتعارف عليها والمعمول بها حالياً في القانون الدولي بالنسبة لحيازة المناطق في أعالي البحار، ليست بالعملية السهلة أو البسيطة كما تبدو للوهلة الأولى. جهاز الأمم المتحدة المكلف بمثل هذه القضايا يسير ببطء شديد في نظره فيها، وعملية قيام أية دولة بتوسعة حدودها البحرية يتطلب مجلدات من الحقائق والإثباتات التقنية والعلمية ذات الطبيعة الخاصة بأعماق البحار، وهذه الحقائق والإثباتات يجب أن يكون معتداً بها. إن حجم المادة التقنية المطلوبة لإتمام أي طلب كبيرة جداً، فعلى سبيل المثال، قامت أستراليا التي لها مطالب في أعماق المحيط الهادئ، بتقديم 80 مجلداً تخص موضوعاً واحداً فقط، ووفقاً لمعاهدة قانون البحار المعمول بها حالياً يمكن للدولة المتقدمة بطلب من هذا القبيل أن تقوم بتسجيل حقها عن طريق القيام بما يعرف بـ"تأسيس القدم" الخاصة بالجرف القاري والإيفاء بجميع المتطلبات اللازمة المنصوص عليها بالنسبة لسماكة الأحجار القابعة في قاع المحيط. إن ما يزيد من صعوبة الأمر هو أنه لكي تتم المطالبة بأراضٍ جديدة تقع تحت مياه المحيطات العميقة، يجب على الأقطار المعنية أن تكون قادرة على إبراز أن تلك الأراضي هي امتدادات طوبوغرافية، للأراضي التي تسيطر عليها أصلاً وتنطلق منها في مطالبها، وليست مجرد مطالبات وأطماع لضم أراضي الغير دون وجه حق. ما يهمها في الأمر هو أن المسألة ستكتسب أهمية دبلوماسية جديدة، عندما تطرح للمناقشة في الأمم المتحدة، لأنه مع كل موطئ قدم صغير في وسط المحيط، يمكن أن تتولد دائرة نفوذ تتكون من 350 ميلاً في كافة الاتجاهات، ومع امتدادات هذه الدائرة تصبح هناك إمكانية لاكتشاف مكامن هيدروكربونية ومعدنية هائلة. هذا الأمر الجديد قد يكون مصدراً للمواجهة بين دول العالم.