بعد انتهاء مهلة تسوية أوضاع العمالة المخالفة التي انتهت في الثاني من الشهر الماضي، بدأت وزارة العمل تكثيف حملاتها التفتيشية في مختلف مناطق الدولة للتأكد من التزام المنشآت بعدم تشغيل عمالة مخالفة ضمن برنامج وصفته الوزارة بأنه متكامل للتفتيش على المنشآت، وفي هذا الإطار ضبطت حالات كثيرة كنتيجة مباشرة لمشاركة كادر كبير من مفتشي الوزارة في تلك الحملات. الواضح ، بحسب تصريحات مسؤولي وزارة العمل، أن هناك نسبة لا تقلّ عن 10% من المنشآت تصر على تشغيل المخالفين، وهذه النسبة تقابلها نسبة من العمالة تصر هي الأخرى على المخالفة ولا تريد المغادرة وتجاهلت فرصة الاستفادة من مهلة تصحيح الأوضاع. وعلى الخلفية السابقة من الحقائق، يبدو خبر استقالة 30% من المفتشين الجدد الذين تم تعيينهم بوزارة العمل، خلال الشهرين الماضيين، بإمارة أبوظبي تطوراً لافتاً، ويستحق وقفة جادة من المسؤولين في الوزارة، ليس فقط لأن موجة الاستقالات هذه قابلة للتضخم والاستمرار والتكرار بشكل يؤثر فعلاً في حجم حملات التفتيش، وبالتالي مقدرة الوزارة على بناء آلية ردع ملائمة في مواجهة طوفان المخالفات سواء من الشركات والمؤسسات، أو من جانب العمال أنفسهم، ولكن أيضاً لأن هذه الاستقالات تعني هدراً في الأموال والوقت كون هؤلاء المفتشين تلقوا بالفعل العديد من الدورات التدريبية والمحاضرات وانتهت إجراءات تعيينهم، لكنهم تسرّبوا بمجرد حصولهم على مزايا وظيفية ومادية أعلى في بعض الدوائر المحلية لإمارة أبوظبي. الأمر اللافت أن موجات التسرب الوظيفي بسبب الاستقالات المستمرة لم تتوقف عند حدّ المفتشين، بل طالت بقية الكادر الوظيفي للوزارة بسبب الفوارق الشاسعة بين الراتب المحلي والراتب الاتحادي، ما دفع مسؤولين بالوزارة إلى القول بأن ضعف الرواتب يقف معوّقاً أمام شغل الكثير من الوظائف الشاغرة بالوزارة. البحث عن الأفضل سواء في الراتب أو الوضع الوظيفي حق مشروع للجميع، خصوصاً في ظل الضغوط التضخمية وموجات الغلاء والفوارق الملحوظة بين الرواتب الاتحادية والمحلية، ولكن الأمر المثير للقلق أن منحنى هذه الظاهرة الجديدة على سوق العمل المحلي في صعود مستمر، وأن معدلات التسرب الوظيفي من الوظائف الاتحادية إلى نظيرتها المحلية ستتزايد، بما يهدد بفقد خبرات وظيفية وعرقلة تنفيذ الكثير من الخطط والبرامج، فضلاً عن أن هذا الفارق بات يلقي بظلاله على بيئة العمل، ويفرز نوعاً من الإحباط الوظيفي لدى مَن لم يجد فرصاً للانتقال أيضاً. إعادة النظر في هياكل الرواتب بوزارة العمل، ربما يكون هو المخرج المناسب للإبقاء على الموارد البشرية. التنافس على العمالة الماهرة المدربة لم يعد حصراً على دولة أو منطقة دون أخرى، بل تحوّل إلى ظاهرة عالمية في الآونة الأخيرة، ولذا فإن من الضروري معالجة أسباب تسرب الكوادر البشرية من وزارة إلى أخرى بعد حصولهم على التأهيل العملي والنظري اللازم للانخراط في أعمالهم، خصوصاً في قطاعات حيوية مثل (التفتيش العمالي) الذي يضطلع بمهمة لازمة لإعادة الانضباط وتحقيق سيطرة فعلية على سوق العمل المحلي. إن تسرب مفتشي وزارة العمل ربما يمثل ردّة إدارية إذا أخذنا بالاعتبار أن الطموح كان يرمي إلى إنشاء "هيئة تفتيش عمالي" متخصصة تتولى ضبط سوق العمل، وبالتالي فإن هذا التسرب يدق ناقوس الخطر ويمثل دعوة مباشرة للإسراع بتلافي أسباب ذلك، كي لا يصبح الحديث عن ملاحقة العمالة المخالفة نوعاً من الأماني غير القابلة للتحقيق بسبب نقص المفتشين. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية