عندما نجحت كوريا الشمالية في تطوير سلاح نووي، فإن ذلك أثار مخاوف عديدة بشأن احتمالات نشوب حرب نووية في شبه الجزيرة الكورية، واحتمالات تسرب التقنية النووية إلى المنظمات الإرهابية، أو زيادة قدرة هذه المنظمات على الوصول إلى أسلحة دمار شامل، كما مثل ذلك التطور أيضاً دليلَ فشلٍ ذريعٍ آخر للسياسة الخارجية الأميركية في التعامل مع هذه الدولة. وفي الكتاب الذي نعرضه في هذه المساحة وعنوانه "الدبلوماسية الفاشلة: القصة المأسوية للكيفية التي حصلت بها كوريا الشمالية على القنبلة"، يقول مؤلفه "تشارلز إل. ريتشارد" الرئيس الحالي لمعهد كوريا الاقتصادي، والسفير السابق للولايات المتحدة لدى جمهورية كوريا الشعبية، إن هناك عدة أسباب كانت وراء المحاولات التي انتهت بحصول كوريا الشمالية على سلاح نووي، منها أن هذه الدولة كانت تشعر بتهديد لوجودها منذ نهاية الحرب الكورية في منتصف القرن الماضي، وأنها ارتأت أن الحصول على السلاح النووي يوفر أفضل حماية لها ضد ذلك التهديد، ولأنها أدركت أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لا تمنع أحداً من الحصول على سلاح نووي إذا ما صمم على ذلك، ولأنها رأت أن الدول المتقدمة نفسها خرقت تلك الاتفاقية في العديد من المرات دون أن تتعرض لأي عقوبات جراء ذلك، ولأن الصين كانت تشجعها سراً على التحول لدولة نووية، ولأنها كانت تعرف أن الدول المجاورة لها، وهي دول تدور في الفلك الأميركي، لن تتمكن من غزوها إذا ما حصلت على السلاح النووي، وأنه يمكنها استخدام السلاح النووي ذاته كأداة للمقايضة مع تلك الدول التي كانت تفرض عليها حصاراً اقتصادياً، فتعلن فيما بعد أنها مستعدة للتخلي عن السلاح مقابل الحصول على مساعدات، ولأن الولايات المتحدة تحت إدارة بوش قد تراجعت عن تقديم مساعدات لبيونغ يانغ، كانت إدارة كلينتون قد وعدتها بها، ولأن بوش كان قد صنفها ضمن "محور الشر" مع العراق وإيران، وعندما أقدمت أميركا على احتلال العراق ظنت أن الدور سيأتي عليها لا محالة. ويركز "بريتشارد" على الخطأ الفادح الذي وقعت فيه إدارة بوش في التعامل بعدائية مع تلك الدولة، وكيف أنها لو كانت قد تصرفت بحكمة، ووفت بالعهود التي قدمها كلينتون لربما كان ذلك سبباً لبث الاطمئنان في نظام كوريا الشمالية المعزولة والجائعة. ويتناول المؤلف تطور مراحل البرنامج النووي الكوري بدءاً من اللحظة التي انتاب الولايات المتحدة الشك من أن كوريا الشمالية ربما تطور برنامج أسلحة نووية عام 2002 والذي دفعها إلى التوقف عن تنفيذ "اتفاقية الإطار" التي كان كلينتون قد تعهد بموجبها لبيونغ يانغ بتقديم مساعدات تتضمن توريد مفاعلات نووية تعمل بالماء الخفيف لتوليد الطاقة، مقابل إيقاف برنامجها النووي لأجل غير مسمى. ويسرد المؤلف كيف أن تراجع أميركا عن "اتفاقية الإطار" جعل كوريا الشمالية ترد بطرد المراقبين الأمميين الذين كانوا يراقبون برنامجها النووي السلمي، ودفعها لاستئناف برنامجها الذي قامت بتعليقه في فترة سابقة والخاص بتصنيع أسلحة نووية في مفاعل "يونجبيون" المقام شمال العاصمة بيونغ يانغ ومفاجأة العالم في التاسع من أكتوبر 2006 بإجراء تفجير نووي تحت الأرض تبت فيما بعد من خلال تحليل الجزيئات التي تم جمعها من الأجواء، أنها مواد مشعة. بعد ذلك ينتقل المؤلف للمحادثات السداسية التي تضم الصين واليابان وروسيا وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وكيف أن كوريا الشمالية التي يعتقد مسؤولون أميركيون أن لديها بلوتونيوم يكفي لصنع ثماني أو تسع قنابل نووية قد وافقت بطلب من الصين على استئناف المحادثات السداسية في بكين في ديسمبر أي بعد شهرين تقريباً من إجراء تجربتها النووية، وأن التقدم في تلك المفاوضات كان بطيئاً قبل أن يحدث تطور في تلك المفاوضات عندما تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق في 13 فبراير الماضي وافقت كوريا الشمالية بموجبه على إغلاق مجمعها النووي في يونجبيون وعلى دعوة مفتشين دوليين إلى التحقق من ذلك، في مقابل تعهد الأطراف الأخرى المشاركة في المحادثات السداسية بتزويد بيونغ يانغ بخمسين ألف طن من زيت الوقود أو ما يعادلها. على أن يلي ذلك قيام كوريا الشمالية بتعطيل كافة منشآتها النووية وتقديم بيان كامل بكافة برامجها النووية، وحينها تحصل على 950 ألف طن أخرى من زيت الوقود الثقيل أو ما يعادلها، على أن تستأنف العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين الدولتين في نهاية المطاف. ويرى المؤلف، بعد أن قدم هذا السرد المفصل، أن الدرس الذي يمكن الخروج به من الدراما النووية الكورية، هو ضرورة تأسيس منتدى أمني دائم في شمال شرق آسيا يعمل كآلية للحوار في المنطقة. على أن أبرز ما في الكتاب هو ذلك النقد اللاذع الذي شنه المؤلف على إدارة بوش سواء بشأن السياسات التي تتبعها أو الأساليب التي تتعامل بها مع الدول المختلفة وإصرارها على إضاعة الفرص المتاحة، ثم البدء في العمل بعد ذلك بعد أن تكون الأمور قد تعقدت وصار حلها مستعصياً كما ثبت من العديد من الأزمات التي تورطت فيها تلك الإدارة منذ أن جاءت إلى الحكم. ـــــــــــــــــــ سعيد كامل الكتاب: الدبلوماسية الفاشلة: القصة المأسوية للكيفية التي حصلت بها كوريا الشمالية على القنبلة المؤلف: تشارلز إل. بريتشارد الناشر: بروكنجز إنستيتيوشن برس تاريخ النشر: 2007