من بين النقاط الإيجابية العديدة التي ركز عليها "ميثاق الشرف الصحفي وأخلاقيات المهنة"، والتي تناولنا بعضها، أمس، وشدّدنا على أهمية تفعيل البند الخاص بمحاولة اختلاق أو "فبركة" الأخبار أو الوقائع أو التصريحات، سواء بقصد الترويج أو الإساءة، خصوصاً إذا ما وظّفت هذه الأخبار للتأثير سلباً في أوضاع السوق وسمعة المنافسين ومكانة الشركات لمصلحة المنافسين، ولاسيما أن بعض الممارسات الصحفية، في الأعوام الأخيرة، كشفت عن وجود خلط واضح ومباشر بين ممارسة العمل في الصحافة الاقتصادية، ووجود مصلحة مباشرة في أسواق الأسهم، حيث لا ينبغي مطلقاً أن يضطلع مالك أسهم أو "وسيط" أو مَن يُفترض به أن يكون هكذا بدور التثقيف والتوجيه والإرشاد والتحليل الاقتصادي في صحيفة ما، على اعتبار أن احتمال التأثير في حركة السوق لمصلحته أو مصلحة عملائه أمر قائم ومطروح بقوة! هناك أيضاً حظر قبول الهدايا النقدية والعينية من المصادر بشكل يضر بمكانة الصحفي أو يؤدي إلى انحيازه في التغطية، وهذه جزئية سبق أن دار جدل مهني حولها في العديد من المناسبات، وتستحق بالفعل وقفة من التنظيم المهني المختص، وهو (جمعية الصحفيين) بالدولة، كي لا تبقى هذه المادة حبراً على ورق، وتجد طريقها بالفعل إلى التطبيق، خصوصاً في ظل انتشار شركات العلاقات العامة، واحتدام التنافس في مختلف المجالات، بما يفتح الباب أمام حدوث خروقات مهنية تؤثر سلباً في شفافية المناخ الصحفي، وأيضاً لأن بعض هذه الخروقات تحدث تحت مسميات مختلفة مثل حفلات تكريم مندوبي الصحف المحلية، وغير ذلك من سلوكيات تنال بالتأكيد من التجرُّد المهني المفترض للصحافة والصحفيين. هذا الحديث لا ينفي أن التواصل مع المصدر هو أحد أهم أدوات العمل الصحفي ومقوّمات نجاحه، ولا ينطوي مطلقاً على تشكيك في نزاهة الصحافة والصحفيين، ولكنه ربما يأتي من باب الحرص على ابتعاد الصحافة عن مَواطن الشبهات وضمان أقصى درجات الشفافية والمكاشفة وتوفير بيئة عمل مهنية لا مجال فيها للمجاملات أو غضِّ الطرف عن الأخطاء والثغرات، خصوصاً أن بعض حفلات تكريم الصحفيين تستهدف تسليط الضوء إعلامياً على بعض المؤسسات، أو تسويقها بشكل غير مباشر، بدليل أن الساحة الإعلامية لم نسمع فيها -على سبيل المثال- عن حفل تكريم أقامته مؤسسة ما لصحفيين انتقدوها وأسهموا في تطوير أدائها، بل إن أصحاب الأقلام الناقدة ربما يبقون خارج دائرة التكريم المزعوم! "ميثاق الشرف الصحفي وأخلاقيات المهنة" يعكس نضجاً مهنياً يتكرَّس مع تحمُّل الصحفيين عبء الارتقاء بمهنتهم، ولكن يبقى الرهان على وضع آليات تطبيق فاعلة تضمن التزام جميع الصحف المحلية ببنود الميثاق، ولاسيما أن الأنباء تحدثت عن أن سبعة فقط من رؤساء تحرير الصحف المحلية قد وقّعوا الميثاق، ما يثير بدوره تساؤلات عن مدى التزام بقية الصحف الصادرة في الدولة ببنود الميثاق، خصوصاً أن التجربة أثبتت أن هناك صحفاً تصدر بلغات أجنبية تسقط في فخ التجاوزات التي وصل بعضها في أوقات سابقة إلى الإساءة للدولة، كما يبقى الرهان قائماً أيضاً على ألا تبقى مواد هذا الميثاق حبيسة الأدراج، وأن تتبلور آليات تطبيق الميثاق بسرعة تضمن أن تحصِّن مهنة الصحافة نفسها ذاتياً ضد أي ممارسات مسيئة قد تصدر عن داخل الوسط الصحفي ذاته، وبحيث يصبح الميثاق بمنزلة السياج المنيع الذي يضمن أقصى درجات الالتزام بالخطوط الدقيقة الفاصلة بين الحرية والمسؤولية.