ما بناه زايد لابد أن يستمر وثوابت زايد لابد أن تستمر ثوابت زايد هي ثوابت الوطن، هي حقوق الإنسان الإماراتي، هي مستقبله، هي حياة أبنائه من بعده، هي أرض أجداده، هي جذوره وهي تاريخه. فهذا الوطن الذي عرف من خلال زايد وسائر حكام الإمارات نهضة قياسية قل نظيرها بين مستويات نهوض الأمم والأوطان في العصر الحديث، يستحق منا عبر تصميم القائد وتضحياته المتواصلة أن نظل نشيد بتجربته الاستثنائية ونفخر بها، وأن نقدمها على ما عداها من تجارب بنائية وتنموية عربية ودولية، لأن معجزتها قائمة فيها ومتحققة على الأرض، ويستطيع الجميع أن يعاينها ويؤشر إليها بإعجاب واندهاش متواصلين، وكان آخر المعاينين والمعجبين بطفرة التنمية والنهضة الشاملة في الإمارات الخبير الاقتصادي الفرنسي جان لوي الذي وصف في محاضرة له عن "الدول والتنمية في الشرق الأوسط" في بيروت ما جرى على أرض الإمارات بأنه معجزة من معجزات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية في العصر الحديث. صحيح أن ذلك لم يفصل الثروة النفطية، لكن الأصح القول إن هذه الثروة النفطية وظفت في الاتجاه الصحيح وإن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (كما يردف الخبير الفرنسي) هو الذي تولى هذا الانفاق الكبير على المشروع الكبير الذي اسمه دولة الإمارات. لقد سخَّر النفط في سبيل أن يتحول إلى شجرة خضراء وشاطئ ساحر ومدن جميلة غاية في الأناقة والحداثة. ويزداد إعجابنا بهذا الزعيم التنموي الكبير (والكلام للخبير الفرنسي) عندما نقارن بين ما كانت عليه أبوظبي وسائر الإمارات منذ ثلاثة عقود وبين ما هي عليه اليوم والمقارنة هنا بين جنائن فعلية بجميع المعاني وعشش فقيرة شاحبة تسفها الرمال من كل صوب. ومن الحق علينا أن نؤكد أن زايد إنما انطلق نهضوياً من مبدأ راسخ فيه وهو أن الثروة ليست بالمال فقط وإنما هي بالرجال، وأن العلم أساس التقدم وهو الثروة الحقيقية التي يجب على الأبناء أن يلهثوا وراءها وينهلوا منها، وهو إنما أنفق هذا الإنفاق الباهظ على التنمية في مختلف المرافق والميادين، (بخاصة التعليمية والصحية والاجتماعية والثقافية) لأجل إنسان الإمارات وكفايته وتطوره، وأن الإنسان هو الرأسمال الفعلي الذي لا ينضب للمستقبل الإماراتي. إنه ثروة الوطن وحامل رسالته في الأمل والعمل. وإذا كانت صناعة المستقبل فنا يتجاوز التنبؤ إلى محاولة السيطرة على مجريات الحاضر والاشتقاق منها كل توقع مقبل فإن الأمانة تشير علينا بضرورة القول إن سياسة زايد إنما كانت قائمة في السيطرة على مجريات الحاضر والاشتغال الدؤوب عليه لتقديم النتائج المؤلمة القاهرة في المستقبل. وكان زايد لفرط وضوحه وصدقه لا يخفي أفكاره خلف الكلمات التي يتفوه بها بل تكون كلماته دوماً تعبيراً عما يجول في نفسه من أفكار يقولها ثم يترجمها على الفور، وكان حين يتحدث من خلال الثروة المادية عن ضرورة رسم استراتيجيات التقدم وترجمتها على الأرض فللوصول في المحصلة إلى التطابق التام بين العقل السياسي الحضاري والتاريخ. كان رحمه الله يمتاز فعلاً بقوة القرار وصلابته وإنفاذه كنتيجة خالصة لصياغة الأحكام والآراء السديدة التي تحكم توجهاته كافة. لم تشغله البتة المناصب ولا امتيازات الحكم عن أية مسؤولية اجتماعية ودينية وأخلاقية وإنسانية يتمتع بها. بقي زايد المتواضع، الكريم، الشهم، السمح، المترع باللطائف الروحانية، وصاحب سياسة الباب المفتوح لأبناء الإمارات يحرص على الالتقاء بهم كبيرهم وصغيرهم للوقوف منهم على مشكلاتهم وتساؤلاتهم ويعمل سريعاً على حلها وسد أية ثغرات قد تنجم عنها. كان يدعو شباب الإمارات إلى مواصلة رحلة كفاح الآباء والأجداد وأخذ الدروس والعبر وعدم الركون إلى الثروة المادية التي حباها الله للإمارات لأن الثروة من دون العمل الجاد والاشتغال الدؤوب والعصامي على النفس لا يمكن أن تؤتي أكلها.. فالتواكل في النهاية وكما علمنا زايد لن يورث غير التراجع والنكوص، وإن معركة الحفاظ على دوام النهضة والعمران المفتوح هي التي تمثل التحدي الأصعب من معركة البناء نفسها وتحقيق النجاحات فيها. وأياً ما كانت الحال المؤسفة والمتراجعة التي تتردى فيها الأمة العربية راهناً فإن ذكرى قادة تاريخيين من مثل زايد تشكل بارقة أمل لاستئناف المسيرة نحو السياسة الأصوب للأمة في حاضرها ومستقبلها. إن السياسة القومية التضامنية التي انتهجها زايد هي مما يدأب عليه العقل العربي الصحيح والنظيف في كل تطلعاته وآماله وأحلامه. في رمضان نتذكرك يا قائدنا ونرسل تحية من القلب لك، زايد الخير والنهضة، زايد القائد الرمز في وقاره السياسي المكتمل الصقل والكلي الحضور.