كثيراً ما يذهل الأشخاص الذين يزورون أحياء الأكواخ الفقيرة في المدن لأول مرة بحيويتها وحركيتها الاقتصادية؛ إذ يتوقعون رؤية اليأس والقنوط، لكنهم يجدون الأمل والتفاؤل. ومن أجل فهم هذا الأمر، ما علينا سوى أن ننظر إلى الأسباب التي دفعت الناس للقدوم إلى هذه الأحياء الفقيرة أصلاً. معظم سكان الأحياء الفقيرة -الذين يُحصون بعشرات الملايين في أفريقيا- يهاجرون من المناطق الريفية إلى المدن؛ فيتركون أسرهم ومنازلهم بحثاً عن فرص وظروف عيش أفضل. ذلك أن المدن تمثل بالنسبة لهؤلاء المهاجرين الأمل في التخلص من قبضة الفقر الريفي. المؤكد أن هؤلاء المهاجرين لا يحبون العيش في أحياء الأكواخ الفقيرة في المدن، غير أن محدودية مواردهم المالية لا تسمح لهم بأكثر من ذلك. وهكذا، فإنهم يخلصون إلى أن الاستقرار في حي فقير -مؤقتاً على الأقل- أحسن من المكان الذي قدموا منه؛ ويعلمون أنهم إذا كانوا يريدون اغتنام الفرص التي تتيحها المدينة، فعليهم أن يعملوا بجد. وهذا مما يساعد على تفسير اصطفاف المتاجر والدكاكين الصغيرة على طول أزقة الأحياء الفقيرة حيث تجد سكان هذه الأحياء يعملون في الخياطة والنجارة والحلاقة وبيع المواد الغذائية. ومنهم من يعمل في إصلاح الهواتف النقالة، وجمع وبيع الخردة، وعرض أفلام الفيديو، ورعاية الأمهات الحوامل وحضانة الأطفال. ووراء بعض هذه الأنشطة الاقتصادية تقف جمعيات ادخارٍ أهلية ينخرط فيها السكان. ومن بين هذه الجمعيات في حي "أشايمان" الفقير في غانا جمعية "معاً نبني" التي تتوفر على 800 عضو ومدخرات قدرها 7000 دولار، وهو مبلغ محترم بالنسبة لبلد يقدر متوسط دخل الفرد فيه بـ400 دولار. يتوفر الأعضاء على سجل يسجلون فيه مدخراتهم التي يمكن أن تكون 10 سنتات في اليوم. وتُمنح قروض قيمتها خمسون دولاراً لأعضاء الجمعية من أجل بدء مشاريع تجارية صغيرة. ويشكل المدينون فِرق تضامن تتكون من أربعة أشخاص كضمانة لتسديد قروضهم التي تسدَّد عادة على مدى فترة ثلاثة أشهر. غير أن الصورة ليست وردية في الأحياء الفقيرة، مثلما تشهد على ذلك قذارة المكان وصور الفاقة والعوز النمطية. ولعل أكبر مشكلة تصدم أي زائر هي الحالة المزرية والمأساوية للبنى التحتية الأساسية. ففي ظل غياب أنظمة الصرف الصحي، تتسلل المياه المستعملة بكثرة وسط الطرق الترابية وتشكل بِركاً حول المنازل، تجذب إليها البعوض وتنبعث منها الروائح الكريهة. وعندما يسقط المطر بغزارة، يحدث الفيضان ويصل مستوى الماء إلى كاحل الرجل أو ما فوق. بيد أن ثمة مؤشرات على أن هذه البنيات التحتية يمكن تحسينها من قبل السكان أنفسهم، والواقع أنها كذلك. ولنأخذ الماء الصالح للشرب على سبيل المثال، فقد دفع بعض سكان حي "أولد فاداما" الفقير كلفة ربط الحي بشبكة الماء الصالح للشرب. وأنشأ مقاولون أماكن للاستحمام ومراحيض، حيث يبيعون الماء النقي بالسطل. وفي ذات الحي، جمعت جمعية أخرى الأموال من أعضائها من أجل إنشاء نظام للصرف الصحي بمحاذاة الطريق الرئيسي بالقرب من منازلهم ومتاجرهم. وعلى الجانب المقابل للحي، أنشأ رجل جسرا خشبيا فوق قناة تفصل السكان عن سوق الخردة المعدنية حيث يجدون فرص العمل؛ وعلى كل من يريد العبور دفع 5 سنتات. وهكذا، فالناس في الأحياء الفقيرة –وعلى غرار الناس في أماكن أخرى- يريدون تحسين حياتهم ومجتمعهم عندما يُمنحون الفرصة، وهو أمر على العالم النامي أن يفهمه وفي الوقت نفسه عليه أن ينتظر أقل شيء من الأمم المتحدة والخبراء الدوليين في سبيل حل مشاكل أحيائه الفقيرة. وبدلاً من ذلك، على الزعماء أن يحددوا نقاط الضعف في الأنظمة القانونية التي تعيق الغرائز الطبيعية للناس لمساعدة أنفسهم والآخرين والقيام بالتصحيحات الضرورية؛ فإحدى المشكلات المطروحة لسكان الأحياء الفقيرة، أن أحدهم لا يستطيع الاستثمار في منزله أو محيطه، بينما هو عرضة للإخلاء في أي وقت من دون إشعار أو تحذير؟ يُقدر "مجلس حقوق السكن" الذي يوجد مقره بالعاصمة السويسرية جنيف، أن 6 ملايين شخص عبر العالم يجبَرون على إخلاء منازلهم كل عام، وأن العديد من هؤلاء الضحايا، وبخاصة في التجمعات السكنية غير المنتظمة والأحياء الفقيرة في المدن، دفعوا أجرة الاستئجار للمسؤولين الحكوميين أو للمالكين بحكم الواقع. لقد أعلنت الأمم المتحدة الأول من أكتوبر يوماً عالمياً للسكن، وهي مناسبة بالنسبة لنا كي نتأمل حالة المستوطنات البشرية عبر العالم. والموضوع الذي اختير هذا العام هو السلامة، وذلك بهدف لفت الانتباه إلى تهديدات الإخلاء؛ إذ تشير الأمم المتحدة إلى تزايد عمليات الإخلاء الجبرية عبر العالم، والتي كثيراً ما تحدث بواسطة الجرافات المحمية من قبل رجال الشرطة المدججين بالأسلحة. والواقع أن عمليات هدم الأحياء الفقيرة ليست عنيفة فحسب، بل غبية كذلك. فبدلاً من مغادرة المدينة –مثلما يأمل المسؤولون الحكوميون- فإن المشردين يسارعون إلى إقامة مخيمات في مناطق أخرى من المدينة أو في محيطها القريب، وذلك لأن المدينة هي مكان للأمل الذي لا تستطيع أي جرافة تحطيمه. جاستين موريسكو ــــــــــــ صحفي مستقل مقيم في غانا ـــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"