مما لا شك فيه أن وزير الخارجية الفرنسي "بيرنار كوشنر" قد لفت الانتباه أكثر مما كان يتوقع حين أعلن بأن على العالم أن يستعد للأسوأ، في إشارة إلى إمكانية اندلاع حرب مع إيران؛ حيث أثار تصريحه على الفور سيلاً عارماً من الأسئلة من قبيل: هل تستعد فرنسا لدعم عمليات عسكرية أميركية ضد إيران، بل والمشاركة فيها؟ وهل يعني ذلك أنها باتت الآن تؤيد الأجندة الاستراتيجية الأميركية أو الإسرائيلية، واضعةً بذلك حداً للموقف الفرنسي التقليدي المتمثل في الاستقلالية الاستراتيجية، التي تعد ميزة وخاصية الدبلوماسية الفرنسية منذ بداية الجمهورية الخامسة في 1958؟ وهل ستذهب المبادئ التي أقرها الجنرال شارل ديغول، والتي طبقها الرئيسان فرانسوا ميتران وجاك شيراك، كل حسب شخصيته، إلى متحف التاريخ؟ شتان ما بين فرنسا التي توافق على حرب مع إيران، وفرنسا التي خاضت معركة حامية الوطيس من أجل معارضة الحرب مع العراق! غير أن "بيرنار كوشنر" عمل بسرعة على وضع حد للتأويلات المختلفة؛ حيث أوضح لاحقاً أنه لا يتمنى اندلاع الحرب، وإنما على العكس من ذلك يخشى حدوثها ويرغب في فعل كل ما هو ممكن من أجل تجنبها من خلال سياسة مختلطة تقوم على المفاوضات والعقوبات. بعد ذلك، تدخل الرئيس نيكولا ساركوزي الذي اعترف بحق إيران في التوفر على برنامج نووي مدني وتأسف لصدور كلمة "حرب"، وإن كان قد جدد التأكيد، في الوقت نفسه، على أن إيران نووية أمرٌ غير مقبول. الواقع أن الدبلوماسية الفرنسية توجد أمام تحديين في هذه القضية. فمن جهة، لا أحد يمكن القبول بتحول إيران إلى دولة تمتلك السلاح النووي على اعتبار أن من شأن ذلك أن يشكل ضربةً قاتلة لاتفاقية حظر الانتشار النووي، ناهيك عن العواقب الكارثية التي يمكن أن تنجم عن حرب ضد إيران، حتى وإن اقتصر الأمر على ضربات جوية محدودة للمنشآت النووية. فهذه الضربات يمكنها، في أحسن الأحوال، أن تعطل وتؤخر البرنامج النووي الإيراني، ولكنها ستعمل في الوقت نفسه على توطيد العلاقات بين نظام الرئيس أحمدي نجاد –بالرغم من شعبيته المتدنية- والإيرانيين، وهي ظاهرة معتادة في حالة الاعتداء الخارجي. وعلاوة على ذلك، فمن شأن هذه الضربات كذلك أن تقوي إرادة إيران على المدى البعيد في امتلاك السلاح النووي. بالمختصر المفيد، فإن الخيار العسكري لن يحل المشكلة، بل على العكس سيكرسها ويُعقدها أكثر؛ إذ يمكن هنا تخيل التداعيات والتأثيرات السلبية على الاستقرار الإقليمي، وتطور الإرهاب، والعلاقة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي. ومع ذلك، فإن جزءا من المؤسسة الأميركية، ولاسيما محيط نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، مايزال يفضل الخيار العسكري، وهو ما ينسحب أيضاً على بعض الإسرائيليين. بيد أن حدوث عمليات من هذا القبيل سيضع ساركوزي في وضع صعب للغاية. ففي حال اتبع ساركوزي عملاً عسكرياً أميركياً أو لم يندد به، فإن من شأن ذلك أن يُفقد فرنسا جزءا كبيراً من مكانتها الدولية ويضر بصورتها في العالم. كما يمكن أن يتسبب في انقلاب الرأي العام الفرنسي عليه، حتى وإن لم يكن لإيران ونظام أحمدي نجاد صورة جيدة جداً في فرنسا؛ ذلك أن الفرنسيين، وعلى غرار جميع الأوروبيين، يرون أن من شأن عمل عسكري أن يكرس المشكلة ويعقدها بدلاً من أن يحلها. ولكن بالمقابل، في حال لم يتضامن ساركوزي مع واشنطن، وهو الذي يحرص على بدء صفحة جديدة من العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة، فسيُنظر إليه من قبل جورج بوش من جديد باعتباره عدواً. غير أن ساركوزي يعتقد أنه ما زالت ثمة إمكانية للتوصل إلى حل على الصعيد الاستراتيجي؛ وهكذا، اختار الرئيس الفرنسي، من الناحية التكتيكية، التقرب من الموقف الأميركي من أجل تلافي إغراء وجاذبية التحرك المنفرد وتكثيف الضغوط على طهران. وفي هذا الإطار، طلب ساركوزي من شركة "توتال" النفطية وقف استثماراتها في إيران؛ كما يفكر أيضاً في فرض عقوبات أوروبية على إيران، وذلك خارج إطار منظمة الأمم المتحدة. غير أن هذه الاستراتيجية الأخيرة لا تخلو من قصور ومثالب، ذلك أنه إذا تجاوزت فرنسا مجلس الأمن، فإنها ستغامر في تلك الحالة بإضعاف خطابها حول التعددية المطلوبة في النظام الدولي إضافة إلى احترام المنظمات الدولية.أليست بذلك تصبح كمن يُضعف نفسه بنفسه، لاسيما وأنها هي العضو دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي؟ ثم إذا كانت إيران تخيف العالم، فإن إيران نفسها خائفة من بقية العالم. ذلك أنها تشعر، وعن حق أحيانا، بالنظر إلى التاريخ والأحداث الأخيرة بأنها مهددَة. وعلاوة على ذلك، وحتى لا تتوفر إيران على أسلحة نووية، أليس من الحكمة إزالة سبب سعيها لامتلاكها؟ ألا تستطيع الولايات المتحدة أن تتعهد وتلتزم بعدم المساس بأمن إيران؟ ولماذا تم لعدة مرات رفض المفاوضات الجماعية التي اقترحتها طهران؟