البرج تلو البرج، والأموال تتكدس بلا حساب, والشعب الخليجي يتعامل مع المليون كما يتعامل مع الألف!! ثم ماذا؟ لا تعليم جيد، والبلد غارقة في طوفان العمالة الوافدة, والفقر يتنامى، والأميّة تتصاعد، والكل يحلب "البقرة الخليجية" ولا ندري متى يجف الضرع؟ ويكثر المال وكأننا نقدم الشواهد على العلامات الصغرى ليوم القيامة! والسؤال: إلى متى نسعى وراء المال لذاته لا لتعمير الأوطان؟ والوطن لا يُبنى بالمال، بل بالرجال. وللأمانة, ما عاد المجتمع الخليجي قادراً على صنع الرجال المؤهلين لحمل المسؤولية, ألا يشتكي معظم الناس من رداءة التعليم الحكومي؟ ألا نرى كيف تغص بلادنا بكل الجنسيات وكأننا "بابل" القديمة, لا لشيء سوى إخضاعهم لخدمتنا! نبني الأبراج وحرياتنا المدنية والسياسية في الحضيض. نقوم بتجميع الأموال ونكدسها لكي نبني أبراجاً أخرى, وشبابنا ينتظر لسنوات وسنوات لكي يحصل على بيت حكومي!! تمتلئ هذه الأبراج بالأجانب وشبابنا عاطل عن العمل يبحث عن وظيفة تحفظ كرامته!! لدينا المال, لكن هل لدينا خطط خمسية أو عشرية للمستقبل القريب؟ نبني الأبراج بلا كلل, ثم نشتكي من قطع الكهرباء وعدم كفاية إنتاج محطات المياه, وصانع القرار حاله كحال الشعب, لا يدري ماذا سيحدث غداً, وكل همّه الحرص على ضمان ارتفاع سعر برميل النفط! لكن هل فكرنا أن ارتفاع سعر البرميل سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والصناعية, حتى بدأنا بالشكوى من الغلاء؟ وحتماً سيأتي يوم ينخفض فيه سعر البرميل, في حين يظل ارتفاع الأسعار على حاله, خاصة ونحن شطار بتضييع الأموال على الأنشطة غير المنتجة. بناء الأبراج السكنية وتكديس الأموال بهذه الصورة ليس في صالحنا، ما لم نحسن استثمارها في التعليم وتطوير البنى التحتية وبناء اقتصاد قوي, وتحصين المجتمع بقوى عاملة وطنية. ومهما قيل عن نجاحات الشركات الوطنية في بعض المجالات مثل قطاع الاتصالات مثلاً, فإن الأمر لا يتعدى كون هذه الشركات وسيطة لتسويق المنتجات الأجنبية, ولولا الغرب والشرق الأقصى كاليابان وكوريا الجنوبية والصين، لما أمكن لهذه الشركات أن تحصل على فلس واحد بقوتها الذاتية, وكذلك الأمر بالنسبة لوسطاء تجارة السيارات والأغذية وغيرها من السلع الاستهلاكية, فشركاتنا الوطنية ليست سوى شركات وسيطة تقوم بتسويق بضائع الآخرين. ولعل الأكثر تدميرا للذات عدم تنامي الإحساس بأهمية الادخار الوطني, فمعظمنا يطبق المثل القائل "أكل اليوم، والحشر غداً", حيث ينفقون الأموال التي يحصلون عليها بالحظ في البورصة على الزواج من جديد, والأسفار والسيارات الفارهة, والسلع الاستهلاكية الثمينة، وبمجرد أن يخونه الحظ، لا يجد ملجأ سوى مستشفى الطب النفسي. والحمد لله أن ثقافتنا الدينية لا تشجع على الانتحار, لكان أصبح لدينا، أوقات الأزمات البورصوية، أيتام وأرامل بالجملة. وقد ناقشتُ أحد الأصدقاء في هذا الأمر، فقال: إن هذه مهمة المثقف للقيام بتبصير الناس حول هذه الموضوعات، وأعتقد أن المثقفين الخليجيين لم يقصروا في هذا الأمر بكتاباتهم, لكن "على من تنفخ مزاميرك يا داوود"؟ وكأن هذه الشعوب قد أصيبت بالصمم الجماعي. وبحيث أصبحت أسعار الأسهم وتأسيس الشركات غير المنتجة هي محور الحديث للرجل والمرأة على السواء, ولا أحد ينتبه لما يتم تضييعه في الوسط. وفي هذا المقام أتذكر الفيلم الأميركي "يوم خروج السمكة من البحر"... ولن أشرحه, لأن الكلام العاقل ضائع في هذه المجتمعات.