في مقاله المعنون بـ"استيراد الفقر" والمنشور على صفحات "واشنطن بوست" بتاريخ 5 سبتمبر الجاري، هاجم "روبرت سامويلسون" كلا من مكتب الإحصاء السكاني ومعهد "أميركان إنتربرايز"، فضلاً عن "مركز الموازنة والأولويات السياسية" ووسائل الإعلام لإغفالهم ما اعتبره المسألة الجوهرية في قصة الفقر. فعندما عكفنا على مناقشة الأرقام التي أصدرها مكتب الإحصاء السكاني في 28 أغسطس الماضي، رأى "سامويلسون" بأننا فشلنا جميعاً في ملاحظة أن الفقر "مشكلة مرتبطة على نحو متصاعد بالهجرة" بسبب العدد الكبير من المهاجرين الناطقين بالإسبانية والفقراء الذين يدخلون الولايات المتحدة. لكن بإخضاع المعطيات والبيانات التي أصدرها مكتب الإحصاء للفحص، يتبين أن المهاجرين عموماً، والمهاجرين اللاتين خصوصاً، لا يؤثرون في مؤشر الفقر بأميركا كما يذهب إلى ذلك "سامويلسون". لقد وصل معدل الفقر في عام 2006 إلى 12.3%، وإذا افترضنا أن عدد المهاجرين لم يرتفع طيلة الفترة السابقة، وأن المهاجرين وعائلاتهم يشكلون النسبة نفسها من إجمالي السكان من دون تغيير في العام 2006، كما كان عليه الحال في 1993، فإن نسبة الفقر ستبقى نفسها أي مستقرة عند 12%. وبالإضافة إلى ذلك، يبرز نقاش آخر حول دور الهجرة في تقليص أجور العمال الأميركيين، حيث أظهرت الدراسات نتائج متضاربة يصعب الخروج بنتيجة واضحة تؤيد الفكرة. لكن حتى في حال ثبت تأثير الهجرة على أجور العمال الأميركيين، فإن التأثير سيكون ضعيفاً،ولن ينافس بشكل كبير رواتب الأميركيين. والأكثر من ذلك أن تدني معدلات الفقر في الولايات المتحدة وارتفاع دخل العائلات المتوسطة في عام 2006 مقارنة مع 2005 جاء نتيجة تحسن الأوضاع المعيشية في أوساط المهاجرين من ذوي الأصول اللاتينية. فقد تراجع معدل الفقر لدى تلك الشريحة من المهاجرين، في حين ارتفع دخل العائلات المتوسطة مقارنة بالسابق. وفي مقابل ذلك لم تشهد شرائح المهاجرين من غير اللاتين، والبيض الأميركيين تحسناً كبيراً على غرار اللاتين. والواقع أن المهاجرين اللاتين عرفت أوضاعهم المعيشية تحسناً ملحوظاً منذ 2001 واستطاع العديد منهم تخطي عتبة الفقر، بحيث انخفض معدل الفقر لديهم مقارنة مع ما كانوا عليه عام 2000 لينزل إلى أدنى مستوى له منذ عقود. وهو ما يختلف بالنسبة للمهاجرين من غير اللاتين والأميركيين من البيض الذين لم تتحسن أوضاعهم إلا قليلا. لكن "سامويلسون" الذي هاجم الأرقام المعقدة التي أصدرها مكتب الإحصاء، ركز فقط على الاتجاهات بعيدة المدى بالنسبة للهجرة وأثرها، لا سيما فيما يتعلق بعدد الفقراء ذوي الأصول اللاتينية منذ 1990، متخذاً من تلك الشريحة نموذجاً لباقي المهاجرين من دون أن يدرك أن تركيزه على اللاتين من دون غيرهم قد لا يلتقط صورة الهجرة في شمولها. ففي التسعينيات من القرن المنصرم ارتفع عدد الفقراء من المهاجرين اللاتين على نحو ملحوظ حتى عندما تراجع عدد الفقراء من غير اللاتين. لذا بدا وكأن اللاتين يشكلون الجزء الأكبر من فقراء أميركا خلال تلك الفترة، لكن ذلك سيتغير تماماً مع بداية العام 2000. فقد كشف مركز "بيو" للدراسات اللاتينية أن المهاجرين اللاتين الجدد هم أكثر تعلماً من أسلافهم ومن غير المرجح أن يقبلوا بأجور منخفضة كما كان يتم مثلا عام 1995. يُضاف إلى ذلك أنه رغم تصاعد عدد الفقراء اللاتين في أميركا خلال عقد التسعينيات، فإن معدل الفقر نفسه انخفض في صفوفهم مقارنة مع معدل الفقر العام في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الوقت استمر مؤشر الفقر لدى المهاجرين اللاتين في الانخفاض حتى مع دخول أعداد كبيرة منهم الأراضي الأميركية. لكن كيف يمكن أن يحصل ذلك؟ كيف لعدد الفقراء أن يرتفع، ومع ذلك تبقى النسبة العامة للفقر في صفوف المهاجرين منخفضة؟ الجواب يكمن في أن السكان اللاتين يتكاثرون بسرعة. لذا اشتكى "سامويلسون" من أنه يوجد في صفوف اللاتين 3.2 مليون فقير في عام 2006 مقارنة مع عددهم في 1990 الذي كان أقل من ذلك. غير أن "سامويلسون" لم يشر إلى أن عدد اللاتين من غير الفقراء سواء كانوا أطباء، أو مدرسين، أو أرباب أعمال صغيرة قد ارتفع بعشرين مليونا خلال الفترة ذاتها. وخلافاً لادعاءات "سامويلسون" بأن مركز الموازنة والأولويات السياسية يتجاهل الارتفاع في نسبة الفقر لدى المهاجرين اللاتين لتجنب إغضاب مسانديه، فقد أشرنا أكثر من مرة إلى الفقر في صفوف اللاتين خلال التسعينيات وإلى دور الهجرة في زيادته. ولم يركز "سامويلسون" على الفقر فقط، بل لاحظ أن المهاجرين من ذوي الأصول اللاتينية يشكلون 41% من عدد الأميركيين الذين لا يتوفرون على التأمين الصحي. ويبدو الأمر مثيراً للقلق بمعزل عن المعطيات الأخرى التي يفشل "سامويلسون" في الإشارة إليها، وهي أن معدل النمو السكاني لدى ذوي الأصول اللاتينية يشكل 51% من مجموع السكان الأميركيين. والواقع أن نسبة المستفيدين من التأمين الصحي ارتفعت لدى اللاتين بحوالي 60%، كما أن نسبة اللاتين الذين لا يتوفرون على تغطية صحية لم ترتفع إلا قليلاً مقارنة مع باقي شرائح المهاجرين. ولأن القضايا المرتبطة بالهجرة والعرق والفقر تنطوي على تعقيدات كبيرة وينتج عنها العديد من الحساسيات يتعين علينا اتخاذ أقصى درجات الحذر عند التعاطي مع الأرقام والبيانات، وهو ما عجز عن فعله "سامويلسون" الذي تناول مواضيع معقدة بشكل مبسط ومخل. روبرت جرينشتاين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المدير التنفيذي لمركز الموازنة والأولويات السياسية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"