الإعلام في عصر العولمة سلاح فعال إذا أحسن استعماله، لكنه قد يكون سلبياً في حالة عدم مصداقيته وعدم تفهم العقلية في الطرف الآخر. الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حظي باهتمام إعلامي بالغ في الولايات المتحدة عند زيارته لنيويورك، فقد قبل دعوة من جامعة كولومبيا المشهورة لإلقاء كلمة أمام طلبتها... هذه الدعوة لإلقاء خطاب أمام الطلبة نقطة إيجابية للولايات المتحدة وجامعاتها، لأنها قبلت استضافته رغم معرفتهم المسبقة بموقفه في العديد من القضايا المطروحة. ومن القضايا التي للرئيس الإيراني مواقف أيديولوجية واضحة ومبدئية منها؛ القضية الفلسطينية والتسلح النووي الإيراني والتواجد الأميركي في الخليج والعراق... كل ذلك معروف، لكن الجامعة ارتضت سماع وجهة نظره ومحاورته. لقد صاحب الدعوة وإلقاء الخطاب تظاهرات صاخبة من أنصار إسرائيل، وهذا أمر متوقع، فعدد اليهود في نيويورك يفوق عددهم في إسرائيل. ما أثار إزعاجي وغضبي هو كلمة مدير جامعة كولمبيا "بولينجر" الذي هاجم الرئيس الإيراني بكلمات وقحة لا تليق برجل أكاديمي، حيث اتهمه بالدكتاتورية والجهل والعداء لأميركا في العراق وإسرائيل. مدير الجامعة حاول أن يسجل انتصاراً إعلامياً بإعلان موقفه السياسي، لكن جميع المعلقين، حتى الذين يختلفون مع أحمدي نجاد، استهجنوا مقدمة مدير الجامعة. كان من المفترض أن يقول مدير الجامعة وجهة نظره بأدب من دون اللجوء إلى الهجوم الشخصي، لكن لا يكون ذلك في كلمة تقديم المتحدث الرئيسي وقبل سماع ما يريد ضيف الجامعة طرحه... لقد لاحق كلمة مدير الجامعة الاستهجان من معظم وسائل الإعلام التي اعتبرتها بعيدة عن الحياد والموضوعية. لقد أعجبني رد الرئيس الإيراني على كل المحاولات المتعمدة لإثارته واستفزازه... فقد أجاب على كل الأسئلة المطروحة ببرودة أعصاب، ورد على إهانة مدير الجامعة بقوله، نحن في إيران نحترم ضيوفنا، وعاداتنا وتقاليدنا لا تسمح لنا بإهانة ضيوفنا قبل أن نتيح لهم فرصة الكلام. نحن في إيران نحترم عقول طلبتنا ونتركهم يقررون بأنفسهم كيف يدار النقاش. بعدها بدأ الرئيس خطابه وأوضح وجهة نظر إيران الخاصة بكل القضايا التي طرحها الطلبة، مثل موقف إيران من الإرهاب وإسرائيل والقضية الفلسطينية والعراق والتسلح النووي. ومهما كانت وجهة نظر الرئيس الإيراني، فالجميع استمع إليه وناقشه، فهو في النهاية يحاول توضيح السياسة الإيرانية للرأي العام الأميركي والعالمي. النقطة التي لم يوفق فيها الرئيس واستغلها الرأي العام الأميركي ضده، هي موقفه من المثليين، حيث سأله أحد الطلبة في الجامعة عن رأيه في المثليين في إيران، فأجاب الرئيس بأنه لا يوجد مثليون في إيران وأن هذه المشكلة موجودة في أميركا. نفي الرئيس وجود المشكلة في إيران وعدم قبوله للمثليين، فتح عليه أبواباً مغلقة، لأنه لا يعلم مدى عمق مشكلة المثليين في الولايات المتحدة وما مدى الإنجازات التي حققتها هذه الفئة لكسب حقوقها كأفراد في مجتمعها. الإعلام الأميركي تناسى كل القضايا السياسية التي طرحها الرئيس وركز على قضية المثليين في إيران، حيث عرض أفلاماً وثائقية تبين ملاحقة الشواذ في إيران وجلدهم وسجنهم وإعدامهم في الساحات العامة، كما أجرت وسائل الإعلام الأميركية لقاءات ومقابلات مع بعض المثليين الإيرانيين الذين هربوا من الإعدام في بلادهم، وهم يعيشون اليوم في الغرب من دون أي اضطهاد ضدهم. ما نود قوله، هو أنه علينا أن نكون واضحين وعقلانيين في مخاطبتنا للرأي العام الغربي، الشعوب الغربية لا يمكن كسبها بإلقاء الخطب المؤدلجة التي لا تقبل المساومة، لا يمكن كسبها إلى جانبنا بالتركيز على العقيدة والعاطفة ونسيان العقل والمنطق. في الغرب، هناك تقديس واحترام كبيران لحريات الأفراد وخصوصياتهم، فالمثليون مثلاً لا يرحب بهم عند الأغلبية الساحقة في الولايات المتحدة، لكن الجميع، حتى المعارضين، يحترمون خصوصياتهم وحريتهم في اختيار طريقتهم في الحياة. متى يا ترى تهتم وسائلنا الإعلامية بمخاطبة عقول المشاهدين بدلاً من استدرار عواطفهم ومشاعرهم؟