الأفق الديمقراطي في مصر: عوائق ورهانات يمثل واقع المسألة الديمقراطية وآفاقها المستقبلية في مصر، هاجساً مؤرقاً ومصدر قلق عام لكثير من النخب الثقافية المصرية، ولبعض النخب العربية الأخرى على اعتبار أن ما يحدث في مصر يجد أصداءه غالباً في باقي أنحاء الوطن العربي، وأن مصر التي عرفت الحياة النيابية منذ نحو قرن ونصف القرن، كانت على الدوام طليعة للدول العربية في مجال التحديث السياسي وبناء المؤسسات السياسية العصرية. على هذه الخلفية، جاء كتاب "نحو رؤية وطنية لتعزيز الديمقراطية في مصر"، والذي نعرضه فيما يلي بإيجاز، وقد ضم بين دفتيه بحوث ومناقشات الندوة الفكرية المنعقدة في مدينة الاسماعيلية المصرية في وقت سابق من العام الحالي، بدعوة من "مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية". وفي تقديم نقدي للكتاب بقلم الدكتور مصطفى كامل السيد، نقرأ قوله إن "القوى السياسية المصرية الفاعلة لم تستقر بعد على استراتيجية للوصول إلى الحالة الديمقراطية"، إذ كل حديث عن الإصلاح السياسي في مصر ينتهي بعكسه تماماً؛ فلا قيادة الدولة في مصر راغبة في انتقال جاد نحو أوضاع أكثر ديمقراطية، ولا القوى السياسية والاجتماعية قادرة على إحداث أي نقلة لتغيير علاقات القوى وإنجاز التحول الحقيقي. ورغم ما يخلص إليه الكاتب من أن آفاق التطور باتجاه الديمقراطية مغلقة في مصر على المدى المنظور، فهو يرى أن مستقبل الحياة السياسية عامة في مصر، رهن بحصيلة التفاعل داخل صفوف الطبقة المتوسطة، وبما إذا كانت فصائلها ستلتقي حول تصور مشترك لطبيعة النظام السياسي المنشود. وفي دراسة استشرافية لمستقبل التحول السياسي في مصر، تستند الدكتورة ثناء فؤاد عبدالله إلى ثلاث ركائز، أولها النظر إلى التحول الديمقراطي باعتباره "عملية" تمثل حصيلة تفاعل عوامل وعناصر متعددة. وثانيها أن خصوصية المسألة الديمقراطية في مصر لا تنفصل عن أزمة الديمقراطية في المحيط العربي. أما الركيزة الثالثة فهي أن المطلب الديمقراطي أصبح الآن مطلباً مجتمعياً يحظى بتأييد الأغلبية الساحقة. وتقترح الكاتبة ثلاثة مداخل استراتيجية للتغيير الديمقراطي في مصر؛ يتعلق أولها بـ"توزيع السلطة" بين العديد من الأجهزة بدلاً من تركيزها في مؤسسة واحدة. ويتصل ثانيها بضرورة توافر التسامح السياسي والديني كقيمة عليا للتعايش بين الجماعات المختلفة. أما الثالث فيتعلق بمقترح إنشاء لجنة تأسيسية منتخبة تقوم بإعداد دستور مصري جديد وديمقراطي. وفي الفصل الثاني من الكتاب، يتناول عبد الغفار شكر "موقف اليسار المصري من قضية الديمقراطية"، مستشهداً بالمراجعات التي أنجزها رموز اليسار المصري، ليسجل أن النقد الذاتي للتجارب الاشتراكية السابقة ولغياب الديمقراطية عنها، أدى إلى الربط بين الديمقراطية وبناء الاشتراكية مستقبلاً. ويرى شكر أن كتابات اليسار نجحت، ليس فقط في بناء رؤية نقدية تعترف للديمقراطية البرجوازية بما حققته في مجال الحريات والحقوق السياسية، بل نجحت أيضاً في بلورة مفهوم جديد للديمقراطية. وفي نقد ذاتي آخر، يتناول أمين اسكندر "الناصرية وإشكالية الديمقراطية"، مشدداً على أن قضية الديمقراطية وتداول السلطة وحق التنظيم السياسي والنقابي وحرية تداول المعلومات وإصدار الصحف... أصبحت الآن بالنسبة إلى الأكثرية داخل الحركة الناصرية من ثوابت النسق الفكري الناصري ذاته، كما أصبح النضال الديمقراطي للناصريين، حقيقة ملموسة لعموم الحركة الوطنية المصرية والشارع المصري. وقد حرص الناصريون مبكراً على مراجعة تجربة الحكم الناصري، مراجعة تجاوزت تلك التجربة بما لها وما عليها، إلى مراجعة الأسس الفكرية والأيديولوجية للتجربة عامة. وفي معرض تناوله في الفصل الرابع من الكتاب، لرؤية التيار الليبرالي حول مستقبل الديمقراطية في مصر، ينفي السفير ناجي الغطريفي أي صفة ليبرالية عن النظام السياسي السائد في مصر حالياً، ليؤكد على أن إقامة نظام ليبرالي متماسك وراسخ في مصر يجب أن يسبقه توافق وطني يلتزم به المجتمع ككل، وأن مبادئ الوفاق الوطني هي أهم ضمانة لاحترام الليبرالية الجديدة كأساس لنظام ديمقراطي يعبر عن الضمير الجمعي للأمة ويحقق مصالح أعضائها ويقطع الطريق على الاستبداد واحتكار السلطة. وحول رؤية جماعة "الإخوان المسلمين" لمستقبل الديمقراطية في مصر، يحدد الدكتور عصام العريان موقف الجماعة من أسس الديمقراطية، قائلاً إن تلك الأسس كما يراها "الإخوان" تتمثل في احترام الرأي الآخر والحق في الاختلاف، واحترام التعددية، والحريات العامة والخاصة، واحترام الأقليات، والمطالبة بدولة الحق والقانون، والقبول بحكم الأغلبية. ولم تخل ورقة العريان أيضاً من ممارسة النقد الذاتي، خاصة في تعرضه لازدواجية موقف مؤسس الجماعة حسن البنا من الديمقراطية كقيم وأفكار ومن الديمقراطية كنظم وآليات. كذلك اعتبر أن الخطأ الأكبر لـ"الإخوان" بعد وفاة البنا كان اليأس من إصلاح الأوضاع سلمياً ودستورياً، والقبول بانقلاب "الضباط الأحرار". وفي الفصل الأخير نطالع وثيقة عنوانها "نحو مفهوم مصري للديمقراطية"، قام بصياغتها الدكتور محمد السيد سعيد بناءً على الأوراق وما أثارته من نقاش، ليحدد أربعة شروط تمهيدية للديمقراطية؛ أولها استقلال الإرادة الوطنية، وثانيها التوافق على القيم الجوهرية للمجتمع وثقافته الوطنية، وثالثها التوافق على معاني الاعتراف بالآخر وحقوق المواطنة المتساوية، أما الرابع والأخير فهو تحقيق الحد الأدنى من النهوض الاقتصادي. تلك هي بعض المرئيات والمراجعات الفكرية، حول الموقف من الديمقراطية ورهانات وعقبات المسار المصري نحو التحول الديمقراطي، كما حاول نفر من المهتمين بلورة شروطه ومحركات الوصول إلى أفقه، بقليل من التفاؤل وكثير من هواجس المستقبل! محمد ولد المنى ـــــــــــــــــــــــ الكتاب: نحو رؤية وطنية لتعزيز الديمقراطية في مصر المؤلفون: جماعة الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية تاريخ النشر: 2007