جريمة الاغتيال الثامنة خلال سنتين في لبنان والتي راح ضحيتها النائب "أنطوان" كان الهدف الرئيسي من ورائها الوصول إلى مرحلة تمكِّن المجرمين والمدبرين من قتل لبنان الوطن الذي قبل بالجميع أبناءً بررة صادقين في حبه. ويغيظ الفاعلين أن لبنان عبق الفكر الحر والمستنير أثبت في كل تلك المرات المُرَّة أنه عصي على القتل أو الاغتيال، وأن كل تلك العمليات تساهم في الافتداء من أجل الوطن حتى يبقى خارج الأسْر. إن لبنان اليوم كما الأمس، يمر بمخاض يميز فيه الخبيث من الطيب، في كل جريمة من هذا النوع تخرج رؤوس شياطين الإنس ليعرف أهل الشعاب أنهم أدرى بها ويجب أن يعلنوا ذلك على الملأ عن كل من وراء هذه الحالة من دوامة العنف التي تأكل رموز الوطن كلما فكرت في المزيد من الحصانة والتحوط لعدم الوقوع في الموت المخطط سلفاً. متى كانت الأوطان تموت بموت أبنائها المتمترسين للحفاظ عليها بالأرواح والمُقل، فالتاريخ الغابر والحاضر هو أصدق شاهد على أن الأوطان تتجدد فيها الحياة وتزدهر كلما وجدت من يحتضن أعلامها التي ترفرف عالياً مستشهداً من أجلها. فقافلة الشهداء في لبنان لا تتوقف ولكن الأهم، أن يصر الكل على الوصول للحل الأمثل الذي من خلاله يطيل عمر الوطن ويقصر من أعمار الذين لا يستطيعون العيش إلا في الظلام، لأن نور الحقائق يعمي أبصارهم عن رؤية الحق الأبلج للبنان الشوكة في حلوق المتربِّصين به الدوائر والمؤامرات والدسائس الخبيثة، بالمقابل فهو أشواق في قلوب وأفئدة تهوي إليه، رغم مصابه سياسياً واقتصادياً، إلا أن إنسان لبنان في وطنه لا زال متألقاً ويتغنى بالشموخ والبقاء في أرض الحضارات السامية. أما الهدف الدنيء من هذه الجريمة الشنيعة وفيها إشارة على أنها لن تكون الأخيرة في تاريخ اغتيال رجالات لبنان الأوفياء للوطن، فالهدف هو نشر بذور الفتنة الطائفية التي طُمرت منذ عقود، خاصة أن وقت الحسم الرئاسي قد اقترب والإحساس بأن الاتفاق على انتخاب رئيس قادر على انتشال لبنان من حالته الراهنة أوشك على التحقق، فإن مصلحة القتلة بخلاف ذلك وهي دلالة واضحة بأن اليد التي تعبث بأمن وسلامة لبنان السياسية والاقتصادية لا زالت طليقة وأنه قد آن وقت بترها قبل أن تصل إلى بتر بقية أطراف الوطن الذي يراد له أن يبقى قعيد الكرسي المتحرك. إن التحدي الذي أمام كل الأطراف المتصارعة على هذا الكرسي المتحرك أكبر من سابقه من الأوقات الحرجة التي مرت على لبنان ولم تفت في عضده، فالاستسلام لتلك اليد العابثة بمقدرات لبنان الوطن الجريح لن يجدي أحداً وخاصة وهو يعيش هذه الأيام نشوة الانتصار على شرذمة أرادت للبنان أن يعود قروناً إلى الوراء بدفعة واضحة من تلك اليد التي تريد المحكمة الدولية فضحها ثم بترها قبل أن تتحول إلى سرطان ينهش بقية أجزاء الجسد اللبناني الصامد رغم الطعنات التي يتلقاها دائماً في ظهره. فكلما أسرع اللبنانيون إلى تضبيط بوصلة الحياة السياسية في بلدهم المغدور في شأنه، كانت أيادي الاغتيالات أقصر من أن تطال الهدف الأكبر من تلك العمليات المستنكرة في كل الأعراف الإنسانية قبل الدولية. فكل الأعين يجب أن تركز على المصلحة العامة بعدم السماح لموجات الخلافات العاتية أن تذهب وتساعد على تحقيق أهداف الراغبين في المزيد من إراقة دماء لبنان الوطن، فعلى جميع أطراف النزاع وهم أعلم بتفاصيلها، الوقوف صفاً واحداً، وإلا كان اغتيال لبنان الوطن هو الهدف القادم لمافيا الجرائم الكبرى.