أشار تقرير "ممارسة نشاطات الأعمال لعام 2008" الذي نشره "البنك الدولي"، مؤخراً، إلى أنه على الرغم من التسهيلات والإجراءات التحفيزية للاستثمار والأعمال في المنطقة العربية، فإن هناك بعض التحدّيات تواجه قطاع المال والأعمال في المنطقة، وأشار ضمن ذلك إلى أن الفصل في نزاع تجاري يتطلّب 50 إجراءً في دولة الإمارات. هذا الواقع يؤكد أهمية الإسراع بالانتهاء من الدراسة التي يعدّها فريق عمل متخصّص بوزارة العدل حول إنشاء محاكم متخصّصة تلبّي متطلبات التطور الاقتصادي والتجاري في الدولة. كما أن هذا الواقع يعكس أيضاً أهمية قرار سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، وزير شؤون الرئاسة، رئيس دائرة القضاء في أبوظبي، والذي صدر، مؤخراً، بشأن إنشاء قسم لقضايا حكومة أبوظبي تحت مسمّى "قسم قضايا الحكومة" ويختص بالدفاع عن قضايا حكومة الإمارة والشركات والمؤسسات المملوكة لها، كما يختصّ أيضاً بالنظر في الدعاوى التي ترفع ضد الحكومة أو التي ترفعها دفاعاً عن مصالحها، وفي ذلك كله تسريع في وتيرة البتّ في القضايا وحسم النزاعات التجارية في أجواء من الثقة والشفافية وتوفير قدر عالٍ من التخصّصية والدّقة في الأحكام القضائية الصادرة، ما يتوقع له أن ينعكس إيجاباً على المناخ الاستثماري ويدفع باتجاه تعزيز معدلات التنمية الاقتصادية في الإمارة. الواضح أن ملاحظة تقرير "البنك الدولي" على الفصل في النزاعات التجارية ربما تتعلّق بالأساس بتعقّد الإجراءات الروتينية وتشعّب الخطوات والإجراءات التي تتخلّل التحكيم التجاري، وليست هناك إشارة إلى طول فترة التقاضي أو البتّ في القضايا، خصوصاً أن التقرير أشار إلى إشكاليات تتعلّق بطول فترة التقاضي والبتّ في النزاعات التجارية بدول أخرى في المنطقة، ومع ذلك يبقى إنشاء المحاكم الاقتصادية المتخصّصة متماشياً مع متطلّبات العصر، خصوصاً أن تشكيل هذه المحاكم سيختزل بالتأكيد الكثير من العقبات والإجراءات الروتينية وسيختصر فترات التحكيم ويدعم البيئة الاستثمارية والتجارية في الدولة. المؤكد أن تأخّر البتّ في قضايا النزاعات التجارية يؤثر سلباً في مناخ الاستثمار، وينال من معدلات الثقة في الاقتصادات، خصوصاً أن هناك تقارير دولية، باتت تضع هذه التفاصيل تحت المجهر، وتتعامل مع مختلف هذه الجزئيات بدقّة، وبالتالي قد يكون من المناسب أن تأخذ الجهات المعنية بالاعتبار في المرحلة المقبلة مسألة تبسيط إجراءات الفصل في النزاعات التجارية واختصار الإجراءات، ولا سيّما أن فلسفة العمل في جميع قطاعات الدولة، باتت تعتمد فكرة "الموظف الشامل" والمنفذ الواحد لإنهاء جميع الإجراءات المتعلقة بمعاملات معيّنة؛ صحيح أن حسم النزاعات التجارية بات من التشعّب والتداخل بحيث يصعب معه تطبيق الإجراءات ذاتها التي تنطبق على مجالات ومعاملات أخرى، ولكن الطفرة الاقتصادية التي تشهدها الدولة، وتنوّع واتساع رقعة القاعدة الاقتصادية يتطلّب تطوّراً تشريعياً وإجرائياً موازياً كي تؤتي هذه الطفرة حصادها، وهي مهمّة يتفق الخبراء على كونها ليست بالسهولة التي يتصوّرها بعضهم، ولا سيّما أن المحاكم الاقتصادية والتجارية المتخصّصة لا تعني فقط تبسيطاً للإجراءات واختصار فترات التقاضي وحسم النزاعات بل تتطلّب بدورها تطوير التشريعات القائمة وإعداد قضاة متخصّصين للنظر في الدعاوى التجارية بما فيها من تعقيدات وأمور فنية.