المتابع للإحصائيات الدولية والمحلية، عن مدى انتشار السكري، وعن حجم المضاعفات والوفيات التي تنتج عنه، لابد وأن يصاب بالإحباط الممزوج بالأسى. فحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، يوجد حالياً أكثر من 180 مليون شخص مصابين بالسكري حول العالم، وتقدر المنظمة أن هذا العدد سيتضاعف بحلول عام 2030. وفي نفس الوقت، تشير الإحصائيات إلى أن السكري يتسبب سنوياً في وفاة أكثر من مليون ومئة ألف شخص، مع التوقع بأن يزداد هذا العدد بنسبة 50% خلال السنوات العشر القادمة فقط. وإقليمياً، تعتبر منطقة الخليج من أعلى مناطق العالم من حيث انتشار السكري، وخصوصاً دولة الإمارات التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً. وبالنظر للأرقام السابقة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالوفيات، يبدو للوهلة الأولى وكأن الطب قد خسر معركته مع داء السكري، وهو انطباع خاطئ تماماً. فعلى صعيد الوقاية، يحاول الأطباء حالياً استخدام العقاقير، لتحقيق نوع من الوقاية الكيميائية بين الأشخاص المؤهلين أو المعرضين بقدر كبير للإصابة بالمرض، نتيجة أسباب وراثية مثلاً، أو بسبب زيادة واضحة في السمنة المركزية (الكرش). ويوجد حالياً عدد من العقاقير المرشحة للاستخدام لهذا الغرض مثل (metformin or rosiglitazone)، أو عقار (hydroxychloroquine) الذي اكتشف الأطباء أنه يخفض من احتمالات الإصابة بالسكري بين مرضى "الروماتويد" بنسبة 77%. وإذا ما ثبتت فعالية هذه العقاقير في تحقيق الوقاية، فربما تلجأ بعض الدول، خصوصاً تلك التي ينتشر المرض بشكل كبير بين أفرادها، إلى إضافة هذه العقاقير إلى مياه الشرب، كما يضاف الفلوريد حالياً مثلاً للوقاية من تسوس الأسنان. أما بالنسبة لتشخيص السكري، فيتم حالياً بسهولة ويسر من خلال تحليل دم بسيط. وهو ما يعتبر تطوراً هائلاً مقارنة بالأساليب القديمة، والتي كانت تعتمد على تذوق الطبيب بنفسه لبول المرضى، أو مراقبة ما إذا كان البول سيجذب النمل والحشرات بسبب مذاقه الحلو. وعلى صعيد العلاج، يكفي أن نذكر أنه قبل اكتشاف الإنسولين، ومن بعده مجموعة واسعة من الأدوية والعقاقير، كان السكري يعتبر مرضاً قاتلاً. أما حالياً، فقد أصبح السكري مرضاً مزمناً يمكن تجنب مضاعفاته لسنوات وعقود. وهذا لا يعني أن العلماء قد توقفوا عن البحث عن عقاقير جديدة وأساليب حديثة لعلاج السكري، وتطوير وتحسين ما هو متاح حالياً. وهذه الأساليب الحديثة، يدور جزء كبير منها حول إيجاد بديل للبنكرياس، إما طبيعياً من خلال عمليات الزراعة البشرية، أو باستخدام الخلايا الحيوانية، أو اصطناعياً من خلال استخدام الأجهزة الإلكترونية. وتعتبر البحوث المتعلقة بزراعة البنكرياس، من أهم البحوث الخاصة بإيجاد علاج دائم لهذا المرض. وتتركز الأفكار في هذا المجال حول زراعة بنكرياس كامل، أو زراعة جزء منه، أو حتى بعض الخلايا فقط. وإن كانت فكرة زراعة البنكرياس تتعرض للمشكلة الأساسية نفسها التي تواجهها عمليات زراعة الأعضاء بوجه عام، وهي رفض الجسم للعضو الغريب. ويمكن حالياً حل هذه المشكلة (إلى حد ما) عن طريق العقاقير المثبِّطة لجهاز المناعة. ولكنَّ هذه العقاقير لا تحول بين جهاز المناعة ومهاجمة العضو الغريب فقط، بل تشل أيضاً دفاعات الجسم الطبيعية ضد الميكروبات والفيروسات. وإلكترونياً، فرغم توفر مضخات للأنسولين منذ فترة، إلا أن المريض يظل في حاجة لقياس مستوى السكر عدة مرات خلال اليوم الواحد، لضبط حجم وتوقيت الجرعة. وهذا المطلب، بخلاف ما يسببه من آلام وعناء يومي للمريض، يقلل من فعالية مضخة الإنسولين في الوصول إلى مستوى مثالي. وهذه المشكلة تحاول مجموعة من العلماء في جامعة كامبريدج ببريطانيا التغلب عليها، من خلال استخدام جهاز استشعار إلكتروني، يثبت على الجسد من الخارج، لقياس مستوى السكر بشكل متواصل دقيقة بدقيقة، ثم إرسال هذه المعلومات بشكل لاسلكي إلى المضخة لتحديد الجرعة المطلوبة. وفي نفس الوقت يسعى العلماء إلى تخفيف الآلام والمضاعفات، التي تترافق مع تعاطي جرعات الأنسولين بالحقن اليومي المتكرر. حيث بدأت بالفعل إحدى شركات صناعة الأدوية منذ العام الماضي، في تسويق أنسولين يتم تعاطيه عن طريق الاستنشاق. ورغم الفوائد الواضحة لمثل هذا الأسلوب، إلا أنه يعيبه عدم القدرة على التحكم في الجرعة بدقة كما هو الحال في الحقن، بالإضافة إلى احتمال تسببه في نوبات شديدة من الأزمة الشعبية بين المرضى المصابين أساساً بالأزمة، مع زيادة احتمالات الإصابة بسرطان الرئة، وخصوصاً بين المدخنين. وأمام هذه السلبيات المرتبطة بالأنسولين المستنشق، اتجه البعض لفكرة تطوير أنسولين يمكن تعاطيه عن طريق الفم. ولكن دائماً ما اصطدمت هذه الفكرة بكون الأنسولين نوعاً من البروتين، مما يعرضه للتلف عند اختلاطه بإنزيمات الهضم وبعصارة المعدة الحمضية. ولذا سعت إحدى الشركات التايوانية لتطوير غطاء خاص واقٍ لحبوب الأنسولين، باستخدام قشر الروبيان أو الجمبري الذي لا يمكن هضمه ولا يتأثر بالعصارة المعديَّة. وإن كانت سبقتها لهذا الهدف شركة بريطانية، أعلنت في الصيف الماضي ضمن فعاليات مؤتمر الجمعية الأميركية للسكري، عن تمكنها من تخطى هذه العقبة الأساسية. فمن خلال التعاون مع علماء جامعة "كارديف" ببريطانيا، أمكن للشركة تطوير غطاء كيميائي خاص، يضمن وصول الأنسولين إلى الأمعاء حيث يتم امتصاصه. وهو أمر إذا ما تم تأكيده من خلال الدراسات العملية، فسيعتبر بالفعل بداية الطريق نحو حبوب من الأنسولين، تساعد المرضى على تجنب آلام الحقن، وتعينهم على التحكم في مستويات السكر بدمائهم بشكل أفضل، مما يقيهم من المضاعفات الخطيرة لهذا المرض.