بالنسبة للعديد من اللبنانيين، ليست مشاركة سوريا في مفاوضات السلام الإقليمية مرغوبة إلا إذا كانت نتيجتها العملية هي احترام أكثر لسيادة لبنان واستقلاله. إلا أن اللبنانيين ليسوا متفائلين، فهم يخافون من أنه حالما تبدأ المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، فلن يبقى هناك مجال للمجتمع الدولي لدعم المحكمة الدولية التي تحاكم الذين تورطوا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في فبراير 2005. وتبقى سوريا متهماً رئيسياً في تلك الجريمة، وقد سعت وبشكل منهجي إلى إفشال جهود تشكيل محكمة في لبنان. ورغم أن مجلس الأمن الدولي وافق على تشكيل المحكمة حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن محادثات سوريا حول السلام مع إسرائيل قد ترجئ العملية بالنسبة لدمشق. وقد أبرز دعاة المحادثات الإسرائيلية- السورية أهمية تحقيق اختراق، مؤكدين أن سوريا وإسرائيل هما أقرب إلى تسوية من الفلسطينيين والإسرائيليين، والفضل يعود إلى حد كبير لمفاوضات جرت عبر تسعينات القرن الماضي، واتفاقيات غير رسمية تم التوصل إليها في السنوات الأخيرة. إلا أن هؤلاء الدعاة يفشلون بشكل روتيني في التعامل مع احتمال أن سوريا قد لا تكون قادرة على تحمل عبء السلام. قد يستفيد نظام الرئيس الأسد من عملية تفاوضية، ولكن ليس بالضرورة من اتفاقية سلام. فالسلام مع إسرائيل، في نهاية المطاف، سيضطر النظام لأن يفكك إلى حد كبير الجهاز الأمني والعسكري المستخدم في حماية سلطته ودعمها. هل يستطيع الأسد، الذي يرأس نظاماً من الأقلية، أن يقبل سلاماً يقوِّض اعتماداته الوطنية العربية محلياً وإقليمياً، وكذلك يهدد حلفه الاستراتيجي المزدهر مع إيران؟ رغم أن العديدين يمكن أن يصرُّوا على أن اهتمام سوريا في المفاوضات مع إسرائيل يتركز على استعادة مرتفعات الجولان، إلا أن القيادة السورية أظهرت خلال السنوات الماضية أن هدفها الحقيقي هو الحفاظ على سيطرتها على لبنان. وكما ذكر إسحاق رابين ذات مرة: "الأفضل وجود الجنود السوريين في الجولان من وجودهم في لبنان". وكان ذلك أسلوبه غير المباشر في الاعتراف بأنه على رغم أن سوريا تفاوض على عودة الجولان، إلا أن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان مُصراً كذلك على ضمان أن تحافظ سوريا على إحكام قبضتها على لبنان. والواقع أن هذا بالضبط هو ما حدث، فقد كان المسار التفاوضي اللبناني مع إسرائيل منخرطاً بشكل كامل ضمن المسار السوري، وهي خطوة وافقت عليها إدارة الرئيس كلينتون وجميع الدول العربية والأوروبية. وفي الآونة الأخيرة، فشل الذين يشجعون مساراً تفاوضياً سورياً إسرائيلياً في توفير خيارات لحماية لبنان من جهود دمشق المُصّرة على إعادة فرض هيمنتها على جارها الأصغر حجماً. وتبقى محكمة الحريري عائقاً رئيسياً بحيث عرضت مؤسسات حل النزاع الدولية حلولاً ملتوية تحترم المحكمة وفي الوقت نفسه تضمن حماية القيادة السورية. وقد فشلت هذه الفتاوى، والتحايلات الشرعية في الأخذ في عين الاعتبار بأن عملية محاكمة تفصيلية وشرعية قد تشير بإصبع الاتهام إلى نفس القادة السوريين الذين يريد دعاة التفاوض هؤلاء تجنيبهم ذلك الأمر. يجب ألا يدفع لبنان ثمن الحوار السوري- الإسرائيلي، كما لا ينبغي حرمان سوريا من فرصة للتفاوض مع إسرائيل بنيّة حسنة. لهذا السبب يجب على المجتمع الدولي أن يفرض شروطاً خاصة على محادثات السلام الإقليمية، التي تستطيع أن تختبر نوايا سوريا، وفي الوقت نفسه تضمن احترامها للسيادة والاستقلال اللبنانيين. ينبغي أن يكون الشرط الأول للدعم الدولي لمحادثات سوريّة- إسرائيلية هو قبول سوريا رسمياً جميع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بلبنان، وخاصة القرارين 1559 و1701 اللذين خالفتهما دمشق بشكل متكرر. ويجب على سوريا أن توافق بشكل محدد على إنهاء تدخلها في لبنان وتسليحها للأحزاب اللبنانية. وعليها كذلك أن تقبل فتح سفارة في بيروت، وهو أمر رفضت أن تفعله على أساس أن السوريين واللبنانيين "شعب واحد في بلدين"، كما يتعين عليها أن توافق على حدود نهائية مع لبنان. وعلى سوريا كذلك أن تصدر بياناً واضحاً بأنها ستتعاون مع محكمة الحريري، وأن ترسل أي سوريين مشتبه بهم إلى هولندا حيث ستعقد المحكمة، لا أن تحاكمهم في المحاكم السورية، كما أصر المسؤلون السوريون بشكل متكرر. وهذه الشروط أصبحت الآن جزءاً من التشريع الدولي، حيث إن سلطة الفصل السابع تجبر جميع الأطراف على الانصياع لطلبات المحكمة. عند تحقيق هذه الشروط يصبح المسار السوري- الإسرائيلي للسلام مرغوباً بشكل أكثر بروزاً. ولكن ليس هناك من سبب لأن يصبح لبنان تذكرة سوريا نحو التسوية. وحتى يتم حل هذه القضية، سوف تسير سوريا وإسرائيل بحذر وبطء على الأرجح وبشكل دائري دون الوصول إلى أي مكان. مايكل يونغ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل سياسي بصحيفة "ديلي ستار" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "Common Ground"