جاء حديث الرئيس المصري في أعقاب الآثار الناتجة عن قيام بعض الصحف الخاصة بالترويج لشائعة مرضه، ليؤكد ثقتي في أن مشروع النهضة بأبعاده المختلفة، وفي مقدمتها بُعد الحريات السياسية، هو أمانة ملقاة على أكتاف النخب السياسية الحاكمة في الدرجة الأولى. قال الرئيس مبدداً سحب المخاوف على حرية الصحافة في مصر: أريد أن يطمئن كل الصحفيين والكُتاب إلى أن الحرية لن تتراجع، ولن نعود مرة أخرى إلى عهد المصادرات أو كبت الحريات. هناك قانون يتوجب تفعيله ومحاسبة كل من يخرج على ميثاق الشرف الصحفي أو يهدد سلامة البلاد. أما الحرية فهي مصونة بمقتضى الدستور والقانون. قبل هذا الحديث الرئاسي بأقل من أسبوع، قلت للأمير الحسن بن طلال، بصفته رئيساً لمنتدى الفكر العربي، في ندوة صحفية جمعته بمجموعة من الكتاب المصريين بالقاهرة: إنني أعتقد أن الكتاب والمثقفين العرب لا يملكون سوى نتاج عقولهم وأقلامهم، وإننا إذ نشاركه الأحلام التي تحدث عنها في إطلاق مشروع الوحدة والنهضة العربية، فإننا مجرد حالمين نروج لأحلامنا، أما القدرة على التنفيذ وأما مسؤولية المشروع، فإنها تقع -من وجهة نظري- على أكتاف النخب الحاكمة. لقد أيدني زميل آخر في الندوة عندما قال: إن المشروع يقع على أكتاف الحكام والأمراء المستنيرين. من ناحية أخرى وعلى النقيض من اتجاهنا هذا قال زميل آخر متسائلاً: هل نحن في العالم العربي في حاجة إلى دور خارجي لكي ننجز عملية الإصلاح؟ إن هذا التساؤل يبدو لي غريباً بعد أن انكشف للعامة والخاصة زيف المشروع الغربي الذي رفع شعارات الشرق الأوسط الجديد، ليبشرنا بالديمقراطية المفروضة من الخارج، فانتهى في النموذج التطبيقي الوحيد وهو العراق إلى تمزيق النسيج الوطني وإطلاق الفوضى والفتن الدامية التي تهدر الحد الأدنى من حقوق الإنسان، وهو حق الأمن الشخصي والسلامة البدنية. وبالتالي فلست أدري أي نوع من الأدوار الخارجية البناءة التي يمكن أن يتعلق بها أي عقل عربي في قضايا الإصلاح والوحدة والنهضة. ومع ذلك فإن هذا التساؤل يستحق الوقوف عنده بتساؤل مضاد نطرحه على النحو التالي: إذا كان حلم المثقفين العرب هو الحرية، فهل هناك عاقل في أي قطر عربي مستعد أن ينتهي الحلم بالدور الخارجي إلى حد حرية القتل وسفك دماء المواطنين من جانب الفرق المتناحرة كما نرى في المدن العراقية، أم أن الأجدى هو أن يواصل المثقفون الحالمون مخاطبة النخب الحاكمة المستنيرة لتوسيع هوامش الحريات من خلال خطاب تنويري جامع لمطامح الحكام والمحكومين على حد سواء؟ وإذا كان حلم المثقفين العرب هو إحياء مشروع الوحدة العربية تحت الاسم الذي اقترحه الأمير الحسن، وهو الولايات العربية المتحدة أو أي اسم آخر، فهل يمكن أن يقبل أي مثقف عربي أن نفتح هذا الحلم للأدوار الخارجية لينتهي حلم الوحدة بين الأقطار المتعددة إلى تمزيق الوحدة الجغرافية والسكانية والثقافية لكل قطر عربي على حدة، أم أن الأجدى أن نواصل نحن الحالمين التعلق بالأمل في استجابة نخبنا الحاكمة للحلم والتنوير من خلال اللحمة الداخلية بين الحكام والمحكومين بقيمة وضرورة إنجازه من خلال التدرج المنطقي الذي يراعي فجوات الواقع العربي، ومن خلال الإيقاع المحسوب الذي يضع في حسبانه الدروس المستفادة من التجارب السابقة الناجح منها والفاشل على حد سواء. إنني مع وضوح الصورة لمخاطر الأدوار الخارجية في حياة أمتنا وأقطارها، أضع موقفي من عملية إنجاز مشروع الوحدة والنهضة والإصلاح الشامل على نحو راسخ في ذهني وعلى سن قلمي باعتبارها عملية تخص الأمة فيما هو شأن جامع بين أقطارها وتخص كل قطر فيما يخص شؤونه الداخلية، وهي عملية يحق لنا نحن المثقفين أن نقدم فيها اجتهاداتنا ورؤانا الفكرية، لكن مسؤولية تنفيذها تبقى ملقاة على أكتاف النخب السياسية الحاكمة التي يحق لنا أن نناشدها ونستحثها الوفاء بدورها المصيري، من دون أن نسمح لأي دور خارجي بمقاسمتها أو مشاركتها مسؤوليتها الوطنية والقومية.