بين ظهور "محور" باريس- واشنطن... ونهاية "التواطؤ" الفرنسي- الروسي سجال التعديلات الجديدة على قانون الهجرة الفرنسي، وتداعيات تصريحات برنار كوشنر ضد إيران، وأفضل الخيارات للتعامل مع ملف طهران النووي، ومهمة ساركوزي شبه المستحيلة في موسكو، موضوعات أربعة نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. سجالات الهجرة... وفحص "الدي أن أيه": أثار التشريع المعدل لقانون الهجرة الفرنسي سجالات واسعة في الصحافة الفرنسية، هذا الأسبوع. صحيفة لوموند اختارت لافتتاحية خصصتها لهذا الموضوع عنوان: "الهجرة والأخلاق"، واعتبر كاتبها أنه ليس خلواً من المعنى أن يكون التشريع الحالي هو رابع تعديل يجريه البرلمان على قوانين الهجرة خلال فترة لا تزيد على أربع سنوات فقط. وقد نص التعديل على أن "معرفة اللغة والقيم الجمهورية" ستعتبر من الآن فصاعداً شرطاً أساسياً لابد من توافره في من يرغب في الالتحاق بفرنسا. كما أن ذوي الأطفال الساعين لاستقدامهم في إطار عمليات "لمِّ الشمل" سيتعين عليهم توقيع "عقد استقبال واندماج" مع الدولة، هذا إضافة إلى الفحص الجيني للتأكد من صلة القرابة بين أولياء الأمور والأطفال. إنها إذن حزمة من الإجراءات والتعقيدات التي تتحول مع مرور الوقت إلى ما يشبه الاستحكامات التي يستحيل على أي حالم بالهجرة تجاوز متطلباتها الكثيرة. غير أن كاتب الافتتاحية يرد بشكل خاص على مزاعم مقترح التعديلات "تييري مارياني" بأن هذا القانون يؤسس لسابقتين خطيرتين، فضلاً عن كونه مخالفاً لفقرة من قانون الأحوال الشخصية الفرنسي. فهو يسمح بإحصاء يحدد الخلفيات العرقية والإثنية بدعوى أهمية ذلك للدراسات المتعلقة بالتمييز والاندماج. كما أنه يسمح بإجراء فحص جيني للأشخاص المرشحين للهجرة في إطار عملية لم الشمل، هذا في حين تحظر المادة 16 من قانون الأحوال الشخصية الفرنسي بشكل قاطع إجراء أي فحص من هذا القبيل إلا لدواعٍ طبية أو علمية بحثية حصراً. وتختم لوموند بالقول إن هذا التعديل التشريعي ليس فقط تمييزياً، وإنما هو أيضاً يمثل قطيعة صادمة مع قيم وروح قانون الجمهورية الفرنسية نفسه. وفي افتتاحية صحيفة لوفيغارو حذر "إيف تيريار" من أن تطبيق التشريع الجديد قد يحمل على أرض الواقع كل المحاذير غير المتخيلة، وإن كان مع ذلك أصبح ضرورة خاصة إذا تذكرنا أن حجم التزوير يصل إلى 50% في عمليات لم الشمل، والزواج الأبيض وغيرها. أما الكاتب "موريس إلريك" فقد اختار في افتتاحية "لومانيتيه" استدعاء لغة السخرية طالباً من السلطات المعنية بتنظيم الهجرة إلى فرنسا ألا تقتصر تدابيرها على الفحص الجيني فقط، بل أن تطلب ما يثبت أن المتقدم ليس لديه تاريخ عائلي ذو صلة بمرض السرطان، أو ازدواج الشخصية. وبالمناسبة، لماذا لا يطلبون منه أيضاً فتح فمه لكي يعاينوا صحة أسنانه؟! كوشنر... و"تضخيم" وسائل الإعلام: تصريحات وزير الخارجية برنار كوشنر التي لم يستبعد فيها إمكانية شن حرب ضد إيران شغلت كثيراً من كتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. جيل كلويرت اعتبر في افتتاحية بـ"نورأكلير" أن محاولات كوشنر اللاحقة التخفيف من حدة تصريحاته بزعم أن وسائل الإعلام أساءت فهمها كانت محاولات غير مقنعة. فالنبرة الحادة، المبطنة بمضامين التهديد، كانت واضحة مما أدلى به وزير الخارجية، وخاصة أنها جاءت كاستمرار واضح في تصريح رئيسه أمام ملتقى السفراء الفرنسيين حين أكد أن الأزمة النووية الإيرانية هي "أكبر أزمة تواجه النظام العالمي الآن"، هذا إضافة إلى انطباع عام سائد بظهور محور جديد يضم باريس وواشنطن ضد طهران. وهو رد نجده أيضاً في افتتاحية "سيد ويست" التي ذهب فيها "باتريك بيرتومو" إلى أن تراجع كوشنر اللفظي حتى لا يبدو في الصورة كداعية حرب شرس، هو في الحقيقة عديم القيمة لأن الصورة التي كرستها تصريحاته داخل فرنسا وخارجها كانت قد أخذت مجراها، ومؤداها أن سياسة باريس الخارجية أصبحت تثير من الأسئلة أكثر مما ترسم من الخطوط الواضحة. ومنذ مجيء ساركوزي أصبح بديهياً لدى الكثيرين أن الاصطفاف وراء واشنطن أصبح مسألة وقت فقط. وهو ما جاءت تصريحات كوشنر دليلاً قاطعاً عليه. أفضل الخيارات ضد طهران: مراسلة صحيفة لوفيغارو في طهران "دلفين مينوي" كتبت مقالاً تحليلياً اعتبرت فيه أن بزوغ محور جديد فرنسي – أميركي في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، من شأنه أن يوسع الخيارات المتاحة أمام الدول الغربية. غير أن على القوى الغربية أن تعرف جيداً كيف تنتقي الخيار الأجدى في هذه المواجهة. فخيار فرض العزلة على طهران مثلاً، على رغم كثرة من يدعون إليه، من شأنه تقوية موقف قادة النظام المحافظ الحاكم، كما سيشجعهم على إغلاق أبوابهم بشكل مطلق أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة. ومع استمرار رفض إيران لكل المقترحات الدولية، يطرح البعض خيار توجيه ضربات في شكل "عمليات جراحية"، وهذا خيار خطير للغاية، يحذر من تداعياته "كريم سجادبور" الباحث بمعهد كارنيجي للسلام، ذلك أن المواقف المتشنجة المنتهجة في كل من واشنطن وطهران، في إدارتهما للأزمة، لا يستبعد معها اندلاع انفجار مفاجئ للوضع قد يجعله خارجاً عن السيطرة، في النهاية. وحتى في حال تجريب خيار كهذا فإن إيران تستطيع الرد بتحريك الجماعات الشيعية في العراق ضد الجنود الأميركيين، كما تستطيع تحريك مقاتلي منظمة "حزب الله" ضد الجنود الفرنسيين المشاركين في قوات "اليونيفيل" في جنوب لبنان. وكذلك –تقول الكاتبة- فإن تأثير فرض عقوبات اقتصادية في الظرف الراهن يبقى محدوداً للغاية، وذلك لأن دولارات النفط ستبقي النظام قادراً على إعطاء انطباع افتراضي بوجود ازدهار اقتصادي، كما أن أفراد الشعب هم من سيعاني من العقوبات وليس القادة. ومن هنا فإنه لا يوجد حل لجعل طهران تتراجع غير بذل كل الجهود لضم روسيا والصين إلى حظيرة الإجماع الدولي ضد إيران، وعندما تشعر هذه الأخيرة بأن اللعب على تناقضات القوى الكبرى لم يعد ممكناً فستجد نفسها مضطرة للرضوخ. روسيا وفرنسا: صحيفة لوموند استبقت زيارة الرئيس ساركوزي إلى موسكو الشهر المقبل بتقديم جرد لأفق مظلم مرتقب أن يخيم على لعلاقة بين العاصمتين. فالعلاقة بين فرنسا وروسيا لا يبدو أنها مقبلة على لحظات هانئة، أحرى أن تكون لحظات "التواطؤ" الممزوج بالخوف كتلك التي عرفتها العلاقة بين الرئيس شيراك والرئيس بوتين. وليس سراً أن ساركوزي غير واقع الآن في هوى موسكو، بل إنه ما فتئ يكيل لها الاتهامات منذ أيام حملته الانتخابية، مع تركيز خاص على سياساتها في مجال الطاقة. والشيء نفسه يصدق على وزير خارجيته الذي طار مؤخراً إلى العاصمة الروسية لمؤازرة المنظمات غير الحكومية هناك، التي يضم بعضها ألد أعداء بوتين. بل إنه تعمد زيارة مقر صحيفة "نوفايا غازيتا" لإحياء ذكرى الصحفية المعارضة المغدورة "آنا بوليتكوفسكايا". وإضافة إلى التنافر الشخصي، يخيم على علاقة البلدين أيضاً تنافر المواقف إزاء ملفات كوسوفو وإيران وتوسيع حلف "الناتو" والموقف من جورجيا تحديداً. كما أن أحد جنرالات بوتين تحدث مؤخراً عن نية الروس إثارة التسلح الفرنسي ضمن أية جولة مقبلة من المفاوضات مع الغرب بشأن التسلح. إنها مهمة صعبة إذن تنتظر ساركوزي على طاولة جلسة المحادثات مع مضيف في موسكو لا يشاطره المشاعر، ويفترق معه في المصالح والتوجهات والمزاج العام. إعداد: حسن ولد المختار