من الملاحظ أن أعداد المتقدمين لنظام القرعة الذي تطبّقه دائرة المباني التجارية في أبوظبي في تزايد مستمر، فمنذ أيام قلائل أعلنت الدائرة عن أن عدد الباحثين عن شقق ممن تنافسوا عبر نظام القرعة على شقتين فقط ضمن المباني التي تديرها اللجنة في إمارة أبوظبي قد بلغ أكثر من 1400 شخص، وربما يحتاج إجراء القرعة فيما بعد إلى ملاعب كرة قدم لاستيعاب المتقدمين لشقتين أو ثلاث!! الدائرة من جانبها تحاول أن تطبّق معايير العدالة والشفافية في عملها، كما تحاول استئصال الممارسات العشوائية التي برزت في سوق الإيجارات في السنوات الأخيرة، ولعلّ المهلة التي منحتها للمستأجرين المخالفين لتعديل أوضاعهم وإصدار عقود جديدة لهم للشقق التي يقيمون فيها، خير برهان على وجود توجُّه جاد للقضاء على هذه السلوكيات التي تسهم في تعميق الأزمة وتفرز شريحة من الانتهازيين الذين يستغلون حاجة الباحثين عن شقق. ورغم هذه الجهود فإن من الواضح أن منحنى أزمة الإيجارات يتصاعد بشكل لافت للنظر، والأهم من ذلك أن الأفق القريب يكاد يخلو من أي مؤشرات بحدوث توازن في العرض والطلب، بما يسهم في القضاء على مظاهر التحايل والاستغلال ورفع الأسعار بطريقة مفتعلة، فالدائرة ذاتها تؤكّد أن تسلّم المشاريع العمرانية الجديدة التابعة للدائرة لن يتم قبل عامين من الآن، ما يعني أن علينا الانتظار عامين آخرين على الأقل كي تبدأ محرّكات قوى السوق في الدوران سعياً وراء تحقيق توازن منشود في العرض والطلب، وهذه عملية ربما تستغرق كثيراً من الوقت باعتبار أن بقية الملاّك، فضلاً عن السماسرة والوسطاء، يدفعون الأسعار في اتجاه تصاعدي ويحاولون إبقاء السوق في حالة "تعطّش" مستمر بما يضمن لهم استمرار الأرباح الخيالية التي يحقّقونها من وراء الوضع الراهن، فضلاً عن أن القوانين تحدّد نسبة معيّنة لرفع أسعار الشقق المؤجّرة بالفعل ولكن تبقى أعداد كبيرة من الشقق التي تخلو من سكانها ويصرّ ملاّكها على تأجيرها وفق أسعار خيالية لا تتناسب في كثير من الأحوال مع القيمة الإيجارية المفترضة لهذه الشقق في الأحوال والظروف العادية للسوق. التأثير الأبرز لهذا الوضع أنه ينعكس سلباً على مختلف القطاعات، بمعنى أن ارتفاع أسعار الإيجارات يلعب دوراً مؤثراً في تغذية التضخّم، ورفع أسعار مختلف السلع والخدمات باعتبار أن الإيجارات أحد المحرّكات الأساسية للسوق رغم غياب أي إحصاءات أو بيانات حول حجم التأثير الحقيقي لارتفاع القيم الإيجارية في معدلات التضخّم. أحد أبرز المؤشرات على الحاجة الملحّة لمعالجة هذا الوضع أن دائرة المباني التجارية أدخلت نظام القرعة إلى المنطقة الغربية أيضاً، ما يعني بالتبعية انتقال الأزمة إلى هذه المنطقة، التي يفترض أنها لا تعاني نقص المعروض مثلما هو عليه الحال في أبوظبي، ولكن يبدو أن تنامي الاهتمام الحكومي بهذه المنطقة ودخولها بؤرة الخطط الاستثمارية خلال المرحلة المقبلة، قد وضعها في مرمى الخلل بين العرض والطلب في المساكن المخصّصة للإيجار، الأمر الذي ينذر أيضاً بعرقلة خطط تطوير هذه المنطقة التي تؤكد الشواهد أنها موضع رهان استثماري طموح خلال المرحلة المقبلة. إذا كانت الأعين جميعها تراقب الارتفاع الحادث في أسواق السلع الاستهلاكية، فإن من الضروري أيضاً الانتباه إلى أن استمرار الوضع الراهن في سوق الإيجارات يعني أن هناك وقوداً يغذّي التضخّم ويدفع أسعار جميع السلع والخدمات إلى اتجاه تصاعدي.