هل موضوع هذا المقال فلسفات رمضانية، أم وسيلة للخروج من المأزق العربي؟ العودة إلى المنطقة العربية بعد غياب طويل نسبياً تُصيبك بالدوار، فالموضوعات تتكاثر لكن من دون أن تُحسم وتترك الساحة لغيرها حتى يتم التركيز عليها ومواجهتها. ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على بعض صحفنا العربية في شهر رمضان الماضي مقارنة برمضان الحالي: فلسطين والعراق لا تزالان في المقدمة، ثم هناك الموضوع النووي الإيراني والإشكالية اللبنانية والتي تثير مسألة الصيغة الملائمة للحكم، ليس فقط في لبنان ولكن في كل الدول العربية، وهناك بالطبع موضوع "القاعدة" والعلاقة بين الحركات الإسلامية بتنوعاتها المختلفة والسلطة، وكذلك موضوع الأقليات، إضافة الى أوضاع العمالة العربية المهاجرة. هذه القائمة الطويلة من الموضوعات، ستزيد كثيراً لو تعرضنا لإعلام إحدى الدول، حيث يبرز مثلاً موضوع دارفور، والأزمة بين سها عرفات وشخصيات تونسية، أو تفاصيل الخلاف داخل أحد أحزاب المعارضة، وغير ذلك من الموضوعات التي تهم القارئ في السودان أو تونس أو المغرب مثلاً... ازدحام الأجندة العربية من دون حسم لهذا البند أو ذاك هو ما نستطيع أن نسميه "حركة من دون تقدم"، وهي حالة أسوأ مما يسميه الشارع العربي "محلك سر"، لأن حالة "الحركة من دون تقدم" تعني أن المجتمع يلف ويدور في دائرة مفرغة بينما بنود الأجندة تتكاثر حتى ينوء بها كاهل هذا المجتمع. أزمة "الحركة من دون تقدم" -على المستوى الفردي أو المجتمعي- اهتم بها أخصائيو الموارد البشرية وبعض المفكرين الاجتماعيين. ومن دون الدخول في تفاصيل أبحاثهم، فإن من أهم الاستخلاصات التي توصلوا إليها أن الخطوة الأولى نحو كسر الدائرة المفرغة وبداية الخروج من الأزمة، هي "تحديد الأولويات" التي تسمح باختيار أهم بند في الأجندة لمواجهته وحسمه. نتيجة هذه المواجهة والحسم لا تؤدي فقط إلى تقليل ازدحام الأجندة، ولكنها تشيع جواً من الأمل في حل باقي البنود الأخرى، وبالتالي تقلل من عدم المبالاة أو العبثية التي قد تحيق بالمجتمع. ولنأخذ مثلاً لتوضيح أبعاد أزمة "الحركة من دون تقدم" وكيفية الخروج منها. فالمعروف أن الأزمة المستحكمة التي تعانيها منذ عقود جامعة الدول العربية، أدت إلى قرار قد يبدو حلاً: وهو الاهتمام بعقد مؤتمرات على مستوى القمة على أساس أن الرؤساء والملوك هم قمة السلطة وفي أيديهم الحسم، ثم قررت الجامعة تعيين آلية انعقاد مؤتمرات القمة وربطها بالميثاق، وبالفعل تم في مارس 2001 عقد أول قمة عربية دورية منتظمة، وذلك في العاصمة الأردنية عمان. والآن وقد انقضى أكثر من ستة أعوام على قرار دورية القمة العربية، بل وحتى تنفيذه من منظمة تعاني آفة عدم تنفيذ قراراتها... ما هي النتيجة؟ هل تَغَيَّر وضع العالم العربي، إقليمياً أو دولياً؟ وهل تغيرت المنظمة نفسها؟ الإجابة معروفة حتى من غير المتخصصين أو المتابعين بانتظام لنشاط الجامعة، بل إن فشل الجامعة في وقف أزمة "الحركة من دون تقدم" أدى إلى لامبالاة بأحوالها ومصيرها من جانب الغالبية الكبرى في الشارع العربي، وأصبح إسهامها الممكن في تطوير أحوال المنطقة العربية غائباً وبصورة صارخة. وأهم أسباب استمرار هذا الفشل أن الجامعة بقرارها حول دورية انعقاد مؤتمرات القمة، غيّرت في الشكل ولم تُغير في الموضوع. فأجندة هذه المؤتمرات لا تزال مزدحمة بالبنود المعقدة، والتي تتطلب معالجتها دراسة جيدة ويحتاج حسمها إلى أسابيع بدلاً من فترة اليوم أو اليومين التي تستغرقها عادة مؤتمرات القمة العربية، وبالتالي ينتهي كل مؤتمر قمة بقرارات غاية في العمومية، وهي لا يتم تنفيذها بالطبع، ثم يتكرر وضع هذه البنود على الأجندة القادمة لتزحمها وتكبِّلها أيضاً! لذلك أصبحت مؤتمرات القمة جزءاً من أزمة "الحركة من دون تقدم" بدلاً من أن تكون حلاً لها!