تدفق المئات من عملاء بنك "نورذرن روك" على مختلف فروعه واصطفوا أمام أبوابه منذ فجر السبت لسحب مدخراتهم خشية إعلان إفلاسه، وذلك رغم تدخل البنك المركزي البريطاني لمساعدته بعدما فشل البنك في تأمين مصادر لتمويل معاملاته بسبب القيود التي يفرضها سوق الإقراض في بريطانيا. هذا العجز دفع بالمؤسسة المالية إلى طلب المساعدة من البنك المركزي البريطاني لضخ ما يلزم من سيولة وطمأنة العملاء. ولم تنحصر المخاوف لدى أصحاب الودائع، كما دلت على ذلك الصفوف الطويلة التي وقفت أمام البنك لسحب أموالها، بل امتدت أيضاً إلى أصحاب الأسهم الذين فضلوا التخلي عن حوالي 31% منها. ويرى الخبراء أن لجوء البنك المركزي البريطاني إلى إنقاذ "نورذرن روك" من ورطته المالية هو مظهر من مظاهر أزمة الرهن العقاري التي تواجهها أميركا، وصعوبة تحصيل الديون غير المضمونة. لكن بينما أعلنت بعض البنوك الأوروبية تضررها من الاستثمار في قطاعات معينة بسبب القروض غير المضمونة، أكد "نورذرن روك" عدم اعتماده على القروض غير المضمونة، وبأنه لا يخاطر في الاستثمار. ويُرجع البنك أزمته الحالية إلى القيود الائتمانية في بريطانيا، والتي أثرت سلباً على تعاملات البنك المالية والقائمة على تمويل الرهن العقاري من خلال الأسواق المالية بدلاً من الاعتماد على ودائع العملاء. ويرى "جونثان لوينز"، الخبير الاقتصادي بمؤسسة "كابتال إيكونميكس" الاستشارية بلندن، أن "المشكلة تنطوي على أبعاد أكبر، وهو ما يفسر قلقنا على مجموعة أكبر من المؤسسات، لم تتأثر بالأزمة الائتمانية حتى الآن، لكنها تبقى عرضة للتضرر". وجاءت المساعدة من البنك المركزي البريطاني للمؤسسة المالية المنكوبة بعد يومين على تحذير محافظه "ميرفين كينج" من أن تحرك مصارف مركزية أخرى مثل البنك الاحتياطي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي، واللذين قاما بضخ سيولة إضافية في النظام المصرفي، قد يشجع على "الإفراط في المخاطرة" عن طريق مكافأة مثل ذلك السلوك. وقد شدد البنك المركزي البريطاني يوم الجمعة الماضي على مطالبة "نورذرن روك" بتسديد دفعة أولى، بمعدل الفائدة المعمول به في السوق، نظير القرض الطارئ الذي حصل عليه البنك لإخراجه من ورطته الائتمانية. وفي بيان مشترك أكد البنك المركزي البريطاني وسلطة الخدمات المالية إلى جانب وزارة المالية، أن "نورذرن روك" ليست معسرة وتستطيع تسديد مستحقاتها، كما أن لديها سجلاً جيداً في معاملاتها المالية. لكن تلك الكلمات المطمئنة لم تساعد كثيراً في تهدئة مخاوف عملاء "نورذرن روك" الذين توافدوا بأعداد كبيرة على أكثر من سبعين فرعاً تابعاً للبنك في مختلف أرجاء بريطانيا لسحب ودائعهم. وفي هذا الإطار عبرت "كونستانس هاكفورد"، مديرة في إحدى شركات التصميم الداخلي والتي انضمت هي الأخرى إلى جموع المنتظرين خارج أحد فروع البنك، عن مخاوفها قائلة: "لا أستطيع أن أتصور أن البنك المركزي قد يترك نورذرن روك يعلن إفلاسه". وفي تصريح له يوم الجمعة الماضي، قال الناطق باسم "نورذرن روك" إن البنك لحد الآن لا يملك تقديرات واضحة عن حجم الأموال التي تم سحبها من فروعه المختلفة. ويُعزا القلق الذي ينتاب عملاء "نورذرن روك" إلى تدني نسبة الحماية التي يتمتع بها أصحاب الودائع البنكية في بريطانيا مقارنة بنظرائهم الأميركيين، لاسيما في حالة إعلان البنك إفلاسه. ففي بريطانيا يسمح القانون بتأمين لا يتعدى 64 ألف دولار، أما في أميركا فيمتد التأمين إلى 100 ألف دولار. ويؤكد "آدام آبلجارث"، المدير التنفيذي ببنك "نورذرن روك"، أن على العملاء ألا يقلقوا "فأنا أيضاً لي أموال في البنك، كما أن هناك اتفاقاً مع البنك المركزي لتزويدنا بالسيولة الضرورية، وهو أفضل ضمان ممكن". وحول أزمة البنك الحالية، يقول أحد المختصين إنه بسبب حاجة البنوك إلى مزيد من الموارد لتمويل الطلب المتزايد على القروض، فإنه عليها رفع معدل الفائدة بالنسبة للمستهلكين، وهو ما يعتقد الخبراء أنه سيؤثر على السوق العقاري الذي حقق نمواً كبيراً خلال العقد الأخير. وفي هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي "بول مورتينر لي" إن تكاليف الائتمان بالنسبة لمن يقترض لأول مرة "سترتفع مقارنة بالسابق". ولأن السوق الائتماني يعتمد بالأساس على عملاء يقترضون لأول مرة، فمن المتوقع أن يشهد القطاع العقاري بعض التراجع. وهو ما أكده المسح الذي أجرته المؤسسة الملكية "تشارترود سيرفايرز" المتخصصة في العقارات وصدرت نتائجه الأسبوع الماضي، حيث أشارت إلى انخفاض الأسعار خلال شهر أغسطس المنصرم في أكثر من منطقة ببريطانيا، ثم عاودت الارتفاع قليلاً. وأضاف المدير التنفيذي لبنك "نورذرن روك" بأنه سيعمد إلى تقليص عملية منح القروض الجديدة، كما سيوقف التوظيف، فضلاً عن خطوات أخرى ترمي إلى الحد من النفقات وتقليص التكاليف. وبالموازاة مع ذلك، أعلن البنك أنه خفض من توقعات أرباحه خلال السنتين الجارية والمقلبة، مؤكداً أن البنك الذي حافظ على مستوى إقراض يفوق بنسبة 55% إقراضه العام الماضي، لم يلجأ أبداً إلى ودائع العملاء لتمويل قروض جديدة. وشدد "نورذرن روك" على أن لديه 125 مليون دولار من القروض غير المضمونة، و200 مليون دولار كقروض من أنواع أخرى، لكنها لا تشكل مجتمعة سوى 1% من إجمالي أصول البنك. إيريك فانير كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"