شهدت هذه المنطقة الكثير من الحروب ولم تعد أرضها عطشى لدماء الجنود والمقاتلين، وإنما عطشى لعرق الرجال المبدعين العاشقين للعمل والبناء وتحقيق الإنجازات... ودول الخليج العربي المنشغلة ببناء نفسها وتقوية اقتصادها تسعى للحفاظ على استقرار المنطقة فحددت موقفها بشكل واضح من حرب أميركا المحتملة ضد إيران. وبعد أن فشلت في إقناع دول الخليج العربي باستخدام أراضيها لشن هجمات ضد طهران، أرسلت الولايات المتحدة حاملات طائراتها إلى مياه الخليج. وتتمنى دول المنطقة وكل الدول المحبة للسلام أن تكون حاملات الطائرات الأميركية الموجودة في مياه الخليج حالياً هو لإسناد قوات التحالف في العراق ومراقبة أمن المياه لمنع أي عمليات إرهابية أو من يخرق القوانين الدولية وجعل المياه آمنة للتجارة، كما ادعى قائد إحدى حاملات الطائرات. هل ستشن الولايات المتحدة الأميركية حرباً ضد إيران؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على الساحة السياسية في المنطقة خصوصاً بعد أن شهدت الأيام القليلة الماضية تصعيداً في لهجة التهديد واستخدام القوة ضد إيران. وبعد المناورات الأميركية وما تقابلها من مناورات إيرانية وحشود أميركية لم يسبق لها مثيل وضغوط نفسية وحرب كلامية من قبل الإدارة الأميركية وتصريحات مثيرة من قبل دول أوروبية آخرها ما قاله وزير خارجية فرنسا منذ أيام:"على العالم أن يستعد لحرب محتملة ضد إيران إذا لم تعلق أنشطتها النووية". من الطبيعي أن تثار التساؤلات بل يبدأ القلق على وضع المنطقة وإمكانية اندلاع حرب جديدة في وقت قريب. وفضلاً على ذلك، فإن هناك ثلاث حاملات طائرات في مياه الخليج العربي، تضم آلاف الجنود وعشرات الطائرات المقاتلة وعددا كبيرا من بطاريات الصواريخ (باتريوت) وكاسحات الألغام، وفي مطلع العام الجاري، كانت الصحف التركية قد كشفت عن مناورات شارك فيها كل الجنود الأميركيين في قاعدة "انجرليك"- الواقعة في مدينة أضنه جنوب تركيا- وقد تشير هذه المناورات إلى استعدادات حقيقية لتوجيه ضربة لإيران، وفي تركيا أيضاً بدأت الطائرات (إف – 16) الأميركية، بإجراء طلعات تدريبية بالفعل، وهي التي لم تجر طلعات جوية منذ ثلاثة أعوام (منذ احتلال العراق). إن كانت تلك التحركات غير كافية لضرب إيران، فهي كافية لإشعال حرب، ولو "بالصدفة" حسبما تراه جريدة (الجارديان) التي قالت:"إن هذه الاستعدادات العسكرية في المنطقة، قد تؤدي إلى نشوب حرب بطريق المصادفة"... وبلا شك فإن الإدارة الأميركية ستجد من الأسهل تبرير عمل عسكري أميركي ضد إيران، تنطلق شرارته عبر تحرش أو عمل استفزازي إيراني تجاه قواتها في العراق أو مياه الخليج العربي، خاصة مع اعتقادها أن "حرب الصدفة "، التي تأتي كرد فعل لسوء التصرف الإيراني ستتمتع بدعم ومساندة الكونجرس والشعب الأميركي وستحصل على درجة مقبولة من "الشرعية والتعاطف الدولي" حيث ستقدم بكونها". عملية دفاع شرعي عن النفس" ضد استفزازات واعتداءات إيرانية غير مبررة. وسواء كانت حرب أميركا على إيران مدعومة دولياً أم غير مدعومة فإن الحقيقة الأهم في هذه الحرب تقول إنه باندلاع هذه الحرب–التي هي الثالثة في عهد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش- ستكون الولايات المتحدة قد أكملت هلال حربها على دول الخليج فابتداء بأفغانستان وحربها، التي لم تنته فيها بعد... مروراً بإيران التي تبدأ حربا جديدة معها، وصولا إلى العراق التي تشهد أشرس المعارك والخسائر اليومية للأميركيين، وانتهاء بفلسطين التي تتأرجح بين حالة الحرب والسلم والموقف الأميركي غير المحايد في هذه القضية تكون دول المنطقة محاصرة بالحروب، والمصائب تحيط بدول الخليج من كل جانب، فالولايات المتحدة لم تترك أرضاً تحيط بهذه الجزيرة العربية إلا وأشعلت -أو تريد إشعال- النار فيها لتبقى المنطقة في حالة تأهب مستمرة وفي حالة عدم استقرار دائم... وكأن ذلك يفيدها؟! ولا يخفى على الأميركيين أن نار الحرب مع إيران ستكون أشد وطأة عليهم وعلى المنطقة وخصوصا أن هناك نقاط ضعف في المنطقة وقنابل موقوتة قابلة للاشتعال ولا ينقصها إلا سبب -ولو بسيط- لتنفجر، وأوضح مثال على ذلك هو لبنان الذي لم يعرف الاستقرار منذ سنوات وإذا اندلعت هذه الحرب، فقد لا يعرف الاستقرار لسنوات أخرى، وهذا بطبيعة الحال من شأنه أن يؤثر على المنطقة بأكملها، وهذا ما نفترض أن الولايات المتحدة لا تريده فليس من مصلحتها استمرار التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة. صار من المؤكد أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، لن يغادر منصبه في البيت الأبيض، قبل أن يفعل شيئاً حيال إيران، ولكن ما هو غير مؤكد هو ما الذي سيفعله بالضبط؟ فهل سيعلنها حرباً طويلة أم حرباً خاطفة أم أنه سيكتفي بخلخلة الداخل الإيراني من خلال عزل النظام الحاكم عن الشعب...وتخريب البلاد دون إطلاق رصاصة واحدة؟ من خلال استغلال فشل أحمدي نجاد في الوفاء بالوعود التي قطعها لشعبه إبان حملته الانتخابية الرئاسية، وازدياد تململ الإيرانيين وضيقهم من الوضع الاقتصادي المتردي. على الرغم من أن خيار الإنهاء السلمي يبدو أنه المفضل لدول المنطقة وأغلب دول العالم بل وحتى للأميركيين، فقد أظهر استطلاع أن نحو 10% منهم فقط، يؤيدون فكرة المواجهة العسكرية مع طهران، إلا أن من الواضح أن خيار الإدارة الأميركية الأول لمعاقبة إيران هو العمل العسكري، ويبدو في بعض الأحيان كأنه خيارها الوحيد، على الرغم مما يتردد من كلام عن "سيناريوهات نظيفة" لضبط إيران. بالطبع لا أحد يستطيع أن يؤكد أن حرباً ستقع، أو أن صفقة سياسية ستُبرم‏، ‏ ولكن ما هو مؤكد أن تلك الحشود والمناورات الأميركية في مياه الخليج، ليست استعراضاً عشوائياً، وإنما هي جزء من استعداد حقيقي للحرب... أو على أقل تقدير هي جزء من خطة أميركية للضغط على طهران لكسب الحرب، دون حاجة لاستخدام طلقة واحدة. السؤال المهم هو في حال ضربت الولايات المتحدة الأميركية المنشآت النووية الإيرانية– بصرف النظر عن صعوبة ضربها جميعاً بسبب انتشارها في مناطق جغرافية مختلفة- فهل سيعني ذلك انتهاء البرنامج النووي الإيراني؟ الإجابة بالطبع هي: لا، لأنه سيتم بناء منشآت أخرى سراً طالما المعرفة النووية الموجودة. فهل هناك فائدة من ضرب إيران عسكرياً؟ وهل هناك داع لهذه الحرب التي بدأت طبولها تقرع؟ أخيراً على الرغم من تلهف إدارة الرئيس بوش الابن لخوض حرب ضد إيران، لإزالة آثار فشله في أفغانستان والعراق، فإن الأمر لن يكون سهلاً هذه المرة، لأنه بحاجة إلى ضمانات تؤكد له نجاح هذه الحرب الجديدة قبل الدخول فيها، وخصوصاً أن المعطيات الإقليمية والمواقف داخل الولايات المتحدة تجعل الرئيس الأميركي، يفكر طويلاً قبل اتخاذ قرار الحرب. لقد أعلن بوش حربه على العراق حين "شاء"، ولكنه لن يوقفها حين يشاء بل حين "يستطيع"... لذا فإن الحرب ما تزال دائرة، لأن أحداً لا يستطيع إيقافها، وكذلك هي الحرب مع إيران، أو أية حرب أخرى يمكن بدؤها حين نشاء، ولكن لا يمكننا أن نوقفها حين نشاء. حتى وإن كانت الولايات المتحدة تستعد لهذه الحرب بطريقة تؤدي قدر المستطاع إلى الاستفادة من أخطاء العراق، وتشل قدرة إيران على القيام بأي ردة فعل قد تؤذي إسرائيل، فإن السيطرة على الحرب ونتائجها غير مضمونة.