أشارت تقارير صحفية مؤخراً إلى دراسة لدعم الخبز في إمارة أبوظبي، أعدتها إحدى الجهات الحكومية تمهيداً لاتخاذ القرارات المناسبة في هذا الشأن. وبحسب ما أوردت الصحيفة، فإن الدراسة تضمنت عدداً من المقترحات التي تتمحور جميعها حول تقديم الدعم المباشر وغير المباشر لأصحاب المخابز لتقليل الخسائر المترتبة على زيادة أسعار الطحين ومستلزمات الإنتاج الأخرى. لا شك أن المخابز، متأثرة بموجة التضخم التي تمر بها الدولة حالياً، تعاني صعوبات بالغة في تغطية نفقات وتكاليف إنتاجها وتتعرض إلى خسائر حقيقية قد تمنعها من الاستمرار في الإنتاج، ما يهدد المستهلك بأزمة في سلعة أساسية لا يمكنه الاستغناء عنها. إلا أن توجه الحكومة لتقديم دعم مباشر لأي سلعة، حتى ولو كانت هذه السلعة هي الخبز، يعد انتكاسة لتوجهات الدولة نحو تحرير اقتصادها، وهي التوجهات التي أسهمت بشكل كبير ومباشر في تعزيز وتنشيط النمو الاقتصادي في الدولة، في ظل بيئة اقتصادية عالمية تشهد انفتاحاً كبيراً وتحولاً بنيوياً عميقاً، وهي في أغلبها خارجة عن سيطرة الدولة. لا شك أن الحفاظ على استقرار أسعار سلعة حيوية وضرورية للجميع كالخبز أمر مطلوب، منعا لتأثيرات سلبية خطيرة على الشرائح الاجتماعية منخفضة الدخل، يمكن أن تترتب على ارتفاع مثل هذه السلع وفقا لآلية السوق، إلا أن الأسس الاقتصادية التي تنتجها الدولة حاليا تتناقض مع المعالجة عن طريق الدعم المباشر، التي تترك تشوهات غير سليمة في السوق المحلي. وقد أثبتت هذه السياسة فشلها في جميع الدول التي تبنتها بحسب ظروف مرحلية مرت بها، كما أثبتت تجارب هذه الدول أن الخروج من دوامة الدعم الحكومي المباشر للسلع لا يقل صعوبة عن المقتضيات التي استوجبت مثل هذا الدعم. إن التدخل الحكومي المباشر في تنظيم عمل السوق يجب أن يكون آخر الوسائل التي يتم اللجوء إليها، وبعد استنفاد جميع الوسائل والآليات غير المباشرة. إن بعض المقترحات التي طرحتها الدراسة لتثبيت أسعار الخبز، ومن ضمنها تقديم كمية من الطحين المدعوم إلى المخابز، أو تجميع المخابز في أماكن خاصة بالمناطق الصناعية مع تخصيص أراض لها، أو استثناء المخابز من قانون رفع الإيجارات وتثبيت قيمة الإيجارات الخاصة بها لمدة ثلاث سنوات مقبلة، جميعها مقترحات غير عملية ويترتب عليها تبعات سلبية عديدة. إن كل تركيز الدراسة انصب في كيفية تثبيت أسعار الخبز، بينما جوهر القضية هو عدم تأثر القدرة الشرائية للمستهلك في تحمل أي زيادة متوقعة في هذه السلعة، وفي الوقت نفسه عدم تعرض أصحاب المخابز لأي نوع من الخسائر جراء ارتفاع التكاليف والنفقات، وذلك بصرف النظر عن المستوى "الاسمي" للأسعار. هذه المعادلة لا يمكن النظر إليها إلا من منظور اقتصادي شامل يأخذ في الاعتبار جميع المتغيرات التي تحكم تحركات المنتج والمستهلك في أسواق الإنتاج والاستهلاك والعمل، ليس للخبز وحده وإنما لجميع السلع والخدمات، بعد أن بدأت تبعات وإفرازات ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف القوة الشرائية للمستهلك بمعدلات غير مسبوقة في تاريخ الدولة، تظهر بوضوح على أرض الواقع. وفي ظل ضعف آليات معالجة الأسباب الحقيقية لارتفاع معدلات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة في الدولة، تقوم الجهات الحكومية المحلية من حين لآخر بإجراء مراجعات جزئية للرواتب والأجور، بينما لا يزال القطاع الخاص غير قادر على مجاراة هذه الجهات في هذا المضمار.