يبدو أنه لا حديث يعلو فوق حديث الغلاء في الآونة الراهنة، ولاسيّما بعد أن طغى ارتفاع أسعار السلع على الموضوعات المطروحة حتى في المجالس الرمضانية، ناهيك عن أن الموضوع بات الشغل الشاغل لوسائل الإعلام المحلية بفعل وقوعه في بؤرة اهتمام الجمهور. ورغم هذا الاهتمام الطاغي بموجة الغلاء في الأسعار، لم تزل هناك أدوار غائبة عن التفاعل في هذه الموضوع، أبرزها بالطبع دور "جمعية حماية المستهلك" التي لم تخرج بعد من أزمتها الداخلية المزمنة، وهناك أيضاً دور خطباء المنبر الديني، الذين يفترض أن يوظفوا مكانتهم الروحية وهذه الأجواء الروحانية والإيمانية خلال شهر رمضان المبارك في توعية المستهلكين والتوجيه إلى ترشيد الاستهلاك، وحث التجار على عدم الاستغلال، ولفت الانتباه إلى موقف الدين الحنيف من استغلال حاجات الناس والقواعد والأسس الإسلامية الصحيحة في البيع والشراء. هناك أيضاً الدور الإعلامي الذي لم يراوح مكانه في رصد مظاهر الغلاء وتتبّع مسيرته من يوم إلى آخر ومن منطقة جغرافية إلى أخرى من دون الانتقال إلى مرحلة توعية المستهلك إلى سبل ترشيد الاستهلاك وكيفية البحث عن بدائل سلعية ورفع الوعي الاستهلاكي وبناء وعي مجتمعي بأهمية دور المستهلك في توجيه منحنى الأسعار. هناك أيضاً من بين الأدوار الغائبة دور "التعاونيات"، التي تقف موقف المتفرج وفي أحيان كثيرة تشارك في "حفلات" توزيع الاتهامات وتقاذف كرة المسؤولية من دون أن تدري أنها طرف أساسي في معادلة ارتفاع الأسعار، بل إن بعضهم يرى أن التعاونيات توظّف الحملة ضد ارتفاع الأسعار لمصلحتها وتتعامل مع هذه الحملة بعقلية التاجر بدلاً من أن تتخذ الفكر التعاوني محرّكاً لها، فآخر الإحصاءات تشير إلى أن "الجمعيات التعاونية الاستهلاكية" و"جمعيات صيادي الأسماك" حقّقت عام 2005 أرباحاً قاربت المليار درهم (945 مليوناً و16 ألفاً بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية) بزيادة قدرها 239 مليون درهم مقارنة بعام 2004، وأن معظم هذه الأرباح حقّقتها ثلاث جمعيات رئيسية فقط على مستوى الدولة. هذه الأرباح تتحقّق في غياب تام لمفهوم التعاونيات عدا بعض العروض التجارية التي تطرح لذر الرماد في العيون، فضلاً عن كونها عروضاً مدروسة بعضها يأتي من خلال الشركات المنتجة نفسها، في حين يأتي بعضها الآخر لتعزيز المبيعات وتنشيطها وتصريف المخزون السلعي كي لا يتلف وغير ذلك. منذ فترة طويلة وهناك تصريحات تتحدث عن تدعيم دور التعاونيات في محاربة الاحتكار والغلاء، وتكوين تكتلات اقتصادية عن طريق الشراء المشترك والتخزين المشترك، وبالفعل تحقّق بعض من هذه الوعود وبدأت "الجمعيات التعاونية" بالفعل في استيراد العديد من السلع الأساسية لكسر الاحتكار، ولكن الملاحظ أن أسعار السلع التي تستوردها "التعاونيات" لا تتفاوت بشكل كبير مع أسعار بقية المورّدين، بل إن هناك تفاوتاً غير مبرّر في الأسعار بين "جمعية تعاونية" وأخرى! ارتفاع الأسعار بات مثل كرة اللهب تتقاذفها الكثير من الجهات المعنية، والجدل محتدم حول النقطة التي تبدأ منها سلسلة ارتفاع الأسعار، وهل هي الجشع أو الإيجارات أو الوقود أو السياسة المالية أو هي هذه الأسباب جميعها، وإجمالاً فإن الأمر يستحق وقفة جديّة للحدّ من الارتفاعات العشوائية في الأسعار ليس فقط على مستوى السلع، ولكن أيضاً في الإيجارات الذي يعتبره الكثيرون مسؤولاً عن كل ما يحدث في السوق، لأن استمرار هذه الظاهرة يؤثر سلباً في تنافسية الاقتصاد الوطني. ـــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية